فصلٌ
قال المعترض
(على أَنَّ هذا القول بالتحرير الذي يقوله المتأخرون، وهو أَنَّ الواجب الكفارةُ عينا بحيث لو أتى بالذي التزمه لا يكفي- لستُ أعرف الآن دليلًا عليه لا من خبر ولا من نظر).
فيقال: قد أحسن المعترض في هذا وأصاب، ومرادهم بإيجاب الكفارة عينًا إذا وجد الشرط وإن فعل ما التزمه، وأما إذا وجد الشرط ولم يوجد الجزاء فإنه تجب الكفارة عينًا بلاريب، لكن إيجابها مع فعل ما التزمه= هو القول المبتدع الضعيف الذي لا حجةَ له.
ثم قال: (أما الخبر؛ فهم يستدلون له بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كفارةُ النذر كفارة يمين" (?) قال: فقد تأملت معنى هذا الحديث، والذي فهمته (?) منه: تبيين (?) كفارة النذر كما بيَّن الله كفارة اليمين في كتابه العزيز، وَلمَّا لم يقتض ذلك إيجاب كفارة اليمين مطلقًا، بل بشرط مخالفتها والحنث فيها= كذلك لا يقتضي هذا وجوب كفارة النذر مطلقًا، بل بشرط ألا يفي به، وَمَنْ وَفَّى به فقد أتى بمقتضى التزامه، فهو بمنزلة ما لو بَرَّ في يمينه فلا يحتاج إلى تكفير، وكيف يقال: إنه إذا أتى بالمنذور لا يكفي، ويقول له: لا تأت به بل كَفِّر؟ ! والله -تعالى- قد مَدَحَ على الوفاء بالنذر؛ فهذا ما أشرنا إليه من جهة النظر.