كان عنده أنَّ هذه ليست أيمانًا منعقدة تجب فيها الكفارة، ولا تَدخلُ في عموم الآيةِ؛ بل جعلها أيمانًا غير منعقدةٍ، كأيمانِ أهل الشرك، واتَّبَعَ مَنْ قال ذلك في الحلف بالنذر والعتق؛ كما قال ذلك الحارث العكلي وغيره (?).
وقال: إنه لا يجب عليه شيءٌ لا في الحلف بالعتق ولا غيرِهِ.
وأما داود فكان هو وأصحابُهُ أكثر توسعًا في الأدلة والنظر وأقوال أهل العلم، والعلمِ بالإجماع والاختلاف، لكن كانَ من نُفاة القياس هو وأصحابهُ، فقال في جميعِ هذه التعليقات التي يُقصدُ بها اليمين: إنه ليس فيها شيء، وطردوا ذلك في الطلاق لعلمهم بما فيهِ من النزاع.
وأبو ثورٍ لم يذكر فرقًا معنويًا بين الطلاق وغيره، ولا بينَ الصفات المؤثرة من (?) الفرق بين الطلاق وغيره، ولكن ظن الإجماع على أنَّ الحلف بالطلاق لا كفارةَ فيه، وقد بيَّنَ مراده في كلامِهِ الذي ذكرناه عنه في غير هذا الموضع عن الإجماع= أنَّ مراده بالإجماع عدم علمه بالمُنَازع، فهذه مقدمة.
والمقدمةُ الأخرى: أنه إذا انتفت الكفارةُ لَزِمَ وقوعُ المحلوفِ به، لأنَّ هذه عنده أيمان منعقدة يتناولها عموم قوله تعالى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] لفظًا ومعنى، لكن للإجماع المظنون في سقوط الكفارة فَرَّقَ، وهذا إنما يصح على قول من يُجَوِّز الاستحسان الذي تُخَصُّ بِهِ العلة الشرعية لفظًا ومعنى بدون فوات شرطٍ ولا انتفاء مانع؛ وهذا أصل ضعيف، كما قد بُسِطَ في موضعه (?).