الآثار المتواترة عن الصحابة والتابعين، فإنَّ إيقاع الطلاق المعلَّق مأثور عن علي وابن مسعود وأبي ذر ومعاوية وابن عمر -رضي الله عنهم-، بل قد تنازع الصحابة - رضي الله عنهم - في تعليقه على الملك؛ فأوقعه -مع ذلك- ابن مسعود وغيره، ولم يوقعه علي وابن عباس -رضي الله عنهم-، وعللوا ذلك بكونه طلاقًا معلقًا، مع كونه تعليقًا قبل النكاح، فلو كان الطلاق المعلَّق لا يقع عندهم بحال لم يوقع هذا منهم أحد، ولو كان لا يقع عند بعضهم لَعَلَّلَ بذلك مَنْ لم يوقع هذا منهم، فلما أعرضوا عن هذا التعليل وعللوا بما يختص بهذا النوع= عُلِمَ أَنَّ كونه معلقًا ليس مانعًا عندهم من الوقوع.
والمعترضُ جعل هذا التعليق يمينًا، وَظَنَّ أَنَّ ذلك يقتضي أَنَّ كونه يمينًا ليس بمانع عندهم، واعتقد أَنَّ المجيب يجعل هذا من الأيمان التي فيها كفارة.
وقد تقدم التنبيه على هذا الغلط، وَبُيِّنَ أَنَّ هذا القول لم يقله أحد، ولا يقوله عاقل يدري ما يقول، وَأَنَّ الذين تنازعوا في الطلاق المحلوف به هل هو طلاق أو يمين منعقدة مكفرة أم يمين غير منعقدة ولا مكفرة؟ لم يدخل في نزاعهم الطلاق المعلَّق الذي يقصد إيقاعه عند الصفة سواء عُلِّقَ على الملك أو على غير الملك، بل هذا المعلق لم يقل أَحَدٌ إنه يمين مكفَّرة ولا غير يمين مكفَّرة، وإنما النزاع هل هو طلاق أم ليس بطلاق؟ وإذا قيل ليس بطلاق (?) فليس هو يمينًا من الأيمان، لا من أيمان المسلمين المكفرة المنعقدة ولا من الأيمان المنهي عنها كأيمان المشركين، فلا يقول