فهذا أبو ثورٍ قد بيَّنَ مذهبَهُ: أنَّ الحالف بالعتق حالفٌ يمينًا عليه فيها كفارةٌ، وهذا مقتضى الدليل عنده على كلِّ حالفٍ؛ فالطلاقُ كان مقتضى ظاهر الكتاب عنده أنْ يكونَ على الحالفِ بالطلاق الكفارة لأنه يمين من أيمانِ المسلمين حَلَفَ بها الإنسان فحَنِثَ (?).
ثم قال (?): (إلا أنْ تجتمع الأمة على أنه لا كفارة عليه في شيءٍ ما، ولم يجتمعوا على ذلك إلا في الطلاق، فأسقطنا عن الحالف بالطلاق الكفارةَ، وألزمناه الطلاقَ للإجماع، وجعلنا في العتق الكفارة، لأنَّ الأمةَ لم تجتمع على أنْ لا كفارةَ فيه).
فقد بيَّنَ أبو ثورٍ مأخذه، وأنَّ مقتضى ظاهر القرآن عنده: أنَّ كُلَّ حالفٍ سواء إِنْ حَلَفَ بالطلاق أو غيرِهِ أنه تجزئه كفارةُ يمينٍ إذا حنث، لكنَّ الإجماعَ الذي يعتقدُهُ إذا عارضَ ظاهرَ القرآن رَجَّحَ الإجماع، والإجماع الذي اعتقدَهُ: إجماعُهُم على أنْ لا كفارةَ فيه لا على أنَّه لا (?) يلزمه طلاقٌ -كما بيَّنَهُ-، لكن إذا أجمعوا أنه لا كفارةَ فيه امتنع أنْ يجب عليه كفارة، وحينئذٍ فهو حالفٌ عنده، وموجَب يمينِهِ لزومُ ما حلفَ بهِ أو الكفارة، فلما سقطت الكفارة بما ظَنَّه من الإجماع، والواجب عنده إذا سقطَ هذا لزوم الآخر = ألزمه (?) بالطلاق.