فلو لم يكن الطلاق أولى بأن لا يقع من العتق، وكان الصحابة قد قالوا في الحلف بالعتق لا يلزم= لم يجز أن يقول هم يفرقون بينه وبين الطلاق فيكون قولهم فاسدًا، بل يقول: إذا قالوا بذلك في العتق أمكنهم طرد ذلك في الطلاق ولم يتناقض قولهم، وكان هذا جوابًا صحيحًا عنهم وإن لم يعرف قولهم.
الثاني: أَنْ يقال: لا نُسَلِّم أَنَّ المذاهب لا تُعرف بالقياس، بل مذاهب المجتهدين تُعرف بما يدل عليها من كلامهم من عموم وتنبيه خطاب ومفهوم موافقة ومفهوم مخالفة ومن تعليل وقياس أولى؛ كما يُعرف بذلك حكم صاحب الشرع، بل كما يُعرف بذلك مراد سائر العلماء في كتبهم، فإذا عرف قول العالم في قضيةٍ عُلِمَ قوله فيما هو أولى بذلك الحكم (?).
ثم نقول: إِنْ كانت أقوال العلماء لا تنقل بما يدل على مرادهم من قياس أولى وتعليل وغير ذلك بل بالنص الخاص= لم يجز أن ينقل عن أحد من الصحابة والتابعين أنه قال: إِنَّ كلَّ حالف بالطلاق يلزمه الطلاق إذا حنث ولا كُلَّ مَنْ عَلَّقَ الطلاق بصفة يقع به إذا وجدت الصفة، فإنَّ هذا اللفظ العام في ذلك لم ينقل عن أَحَدٍ من الصحابة والتابعين، وقد تقدم ما استقصاه المعترض من أقوالهم، وما جمع في ذلك من أقوالٍ بعضها يدل على مراده وبعضها لا يدل، ولم ينقل في ذلك قولًا عامًّا عن الصحابة والتابعين، وإنما نَقَلَ أقوالًا خاصة في قضايا خاصة؛ فإنْ كانت المذاهب لا تُنقل بالقياس فنقله ونقل غيره لهذا القول عن أحدٍ من السلف كذبٌ عليهم، وإذا كان النقل عن بعضهم ولو أنه واحدٌ كذبًا، فكيف بنقلٍ عن كل واحد واحد