يجعل ذلك في غير الأيمان، فلمَّا كان الناذر نذر اللجاج والغضب قَصْدُهُ اليمين وجبت فيه كفارة يمين، وهذا المعنى موجود سواءً كان النذر؛ إما في الذمة فيمكَّن من فعله وتركه، أو وقوعًا مضافًا إلى عينٍ معينة لا يمكن دفعه بعد وقوعه.

وهؤلاء قلبوا الشريعة؛ فجعلوا كونه يمينًا ليس هو الموجب للكفارة، ولا كونه غير يمين هو المانع من ثبوتها، بل كونه التزامًا هو الموجب للكفارة، وكونه غير التزام يمنع ثبوت الكفارة، والله - سبحانه وتعالى - إنما عَلَّقَ وجوبَ الكفارة بكونه يمينًا، وهم قلبوا الشريعة في موضعين:

أحدهما: جعلهم الوصف المؤثر في اللزوم كونه تعليقًا.

والثاني: كون الوصف المانع من اللزوم كونه التزامًا، وهو في ذلك تعليق؛ وليس معهم دليل شرعي على أن المؤثر في اللزوم هو التعليق، ولا دليل شرعي على أن المانع من اللزوم والموجب للكفارة كونه التزامًا، ولا الوصف الأول مؤثر عندهم، بل كثير من التعليقات لا يجعلونها لازمة؛ ولا الثاني مانعًا، فكثير من الالتزامات يجعلونها لازمة. ثم نَفْيُ وجوبِ الالتزام لا يوجب ثبوت الكفارة، فما الموجب لثبوت الكفارة؟ !

وإنَّما الشريعة التي بعث الله - تعالى - به رسوله - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ الوصف المؤثر في الوقوع واللزوم كونه مُطَلِّقًا ومعتقًا وناذرًا سواء كان بصيغة تنجيز أو بصيغة تعليق. والوصف الموجب للكفارة المسقطُ للزوم هو كونه يمينًا سواء كان المعلَّق التزامًا أو وقوعًا، وسواء كانت بصيغة تعليق أو صيغة قسم.

وَمَنْ تَدَبَّرَ هذه المعاني وتصورها تصورًا جيدًا = عَلِمَ علمًا يقينًا خَطَأَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015