وأيضًا؛ فالقولان المتقدم والمتأخر للعالم كقول عالمين، ليسا كقول نبي نَسَخَ بآخر قوليه قولَه الأول، بل هما كقول عالمين يجوز أَنْ يكون الحق في كلٍّ منهما.
وقد تنازع العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم فيما إذا كان للمجتهد قولان متقدم ومتأخر، هل يضاف إليه القول الأول كما يضاف إليه المتأخر؟ على قولين مشهورين لهم.
بل إذا صَرَّحَ بالرجوع عن القول الأول، هل يجعل الأول قولًا له؟ (?) على قولين؛ لأنَّ المجتهد ليس بنبي يُجزم بأنَّ قوله الثاني ناسخ للأول، بل هو قال أولًا باجتهاده كما قال ثانيًا باجتهاده؛ كالمجتهد في القبلة إذا ترجَّح عنده أولًا أنها في جهة ثم ترجح عنده ثانيًا أنها في جهة أخرى، فقد يكون اجتهاده الأول أصوب، كما لو اختلف اجتهاد رجلين.
والمقلِّد إذا اختلف عليه اجتهاد عالمين: فإما أَنْ يُخَيَّر، وإما أَنْ يُرَجّحَ أحدَهما إما ترجيحًا بصفاته كالعلم والدين، وإما ترجيحًا بما يظهر له من رجحان قولِهِ على قولِ غيرِهِ، وبسط هذه له موضع آخر (?).
وليس كلامنا فيما نحن فيه مستلزمًا لهذا، لكن المعترض أَدْخَلَ في ذلك ما لا يستلزمه؛ وعلى هذا: فإذا كانت قواعد الإمام وأصوله تقتضي رجحان قوله الأول قُدِّمَ، وكذلك إذا كانت أدلةُ الشَّرْعِ توافقُ قولَهُ الأول كان هو الراجح، وإذا قَدَّمَ مَنْ يسوغ تقليده مِنْ أصحابِهِ قولَهُ الأول قَلَّدَهُ العامي،