وحينئذٍ؛ فتكون الحجة عليهم هذا النص الذي هو مستند مَنْ بعدهم، الذي لو علموا به في حياتهم لوجب عليهم اتباعه، وإلا فيمتنع أن يكون الصحابة تنازعوا ثم أجمع التابعون على أحد قوليهم بغير حجة ظاهرة يجب اتباعها على عن مات لو علم بها.
وإذا كان كذلك؛ امتنع تقدير هذا في مسألتنا، فإنه ليس مع القائل بأنَّ الحالف بالطلاق أو العتاق أو النذر يُلْزَمُ (?) نَصٌّ يرفع النزاع، بل دلالة النص والقياس على خلاف قوله في غايةِ القوةِ والظهورِ، وكُلُّ عالِمٍ يعترف بذلك، ولكن يعتذر بخلاف المذهب، أو بخلاف ما يظنه عن الإجماع.
والصواب في مسألة إجماع التابعين على أحد قولي الصحابة: أَنَّ ذلك إذا وقع، وجب القول بأنَّ ذلك الإجماع معصومٌ, فإنَّ الأمةَ معصومةٌ في كُلِّ عصرٍ عن الضلال، فلو قُدِّرَ إجماعُ التابعين كلهم على ضلال لكانت الأمة قد أجمعت على الضلال، ولا يغني هدى (?) العصر الأول عن ضلال العصر الثاني، لكن دعوى إجماع مَنْ بعد الصحابة على أحد قوليهم متعذرٌ في الغالب أو متعسر، وأما إجماع مَنْ بعد التابعين على أحد قوليهم فالعلمُ بهذا في غاية البعد والامتناع.
ولهذا؛ ما زال الناس يذكرون أقوال الصحابة والتابعين، ويحتجون لأحدِ القولين بالأدلة الشرعية، ولا يحتج على بطلانِ أحدِ قولي الصحابة بمجرد إجماع مَنْ بعدهم عن غير دلالة كتاب ولا سنة ولا اعتبار.