هذا مع ذلك ليبين أَنَّ طاووسًا يفتي المكره بما أفتاه عطاء أنه لا يلزم الطلاق الذي حلف به، ثم لما ذكره مرة لم يُعِدْهُ في ذلك الباب، كما جرت عادتهم أنهم يكتفون برواية الحديث والأثر في أحد البابين وإِنْ كان مناسبًا لهما جميعًا.

وبالجملة؛ فليس فيما فعله عبد الرزاق ما يدل على أنه فَهِمَ اختصاص ذلك بالمكره، ولو قال ذلك = لم يكن فهمه مساويًا لفهم شيخه ابن جريج الذي هو أعلم منه وأقرب عهدًا بالمتكلم، وكذلك فهم عبد الله ابنه.

ثم يمتنع أن يكونوا نقلوا قوله في المكره خاصة مع الجزم بأنه ليس بطلاق، والشك هل هو يمين أم لا، فإنَّ هذا لا يصدر من عاقل يتصور ما يقول، فإنه إذا كان الحلف بالطلاق هو تطليقًا عند طاووس يلزمه إذا أوقعه مختارًا، ثم قال في المكره عليه: لا يقع به طلاق؛ فهل يمكن مع هذا أَنْ يكون المكره على الطلاق يقال: إِنَّ ما أُكْرِهَ هل هو يمين أم ليس بيمين، وهل يشك ابنه الذي عَرَفَ مراده بقوله: ليس بشيء؛ أنه قد يكون عنده يمينًا وقد لا يكون، وكيف يتصور إذا لم يقع طلاق المكره أَنْ يكون يمينًا؟

ثم لفظ طاووس: الحلف بالطلاق ليس شيئًا؛ يذكر لفظ الحلف لا لفظ الطلاق، وأطلق اللفظ وعممه ولم يخص منه المكره. فإذا قيل: المراد به المكره، لم يكن لذكر لفظ الحلف اختصاص بذلك، وَلَوَجَبَ ذِكْرُ لفظِ الإكراه؛ فكيف يجوز حمل كلام الرجل على معنى لفظٍ لم يَذكره، ويُلغى معنى اللفظ الذي ذكره، ويجعل لفظ العام المطلق خاصًّا مقيدًّا بلا دليل؟

فإنَّ المكره سواء أكره على إيقاعه أو الحلف به لا يلزمه، ولم يُفَرِّق أحدٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015