وأيضًا؛ فلم يعرف أحد قال: إن الحلف بالطلاق لغو والحلف بالعتق والنذر يمين منعقدة، وطاووس من أصله المشهور عنه المعروف أن الحلف بالعتق والنذر يمين منعقدة مكفرة، فلا يقول: إن الحلف بالطلاق ليس يمينًا منعقدة، لكن لو قيل بنفي الكفارة، إنما يقال لكون الطلاق ليس بقربة، كما أَنَّ في نذر المعصية والمباح نفي الكفارة لكون المنذور معصية ومباحًا، لا لكون ذلك ليس نذرًا.

يُبَيِّنُ ذلك: أن الذين قالوا في تلك الأيمان: لا شيء فيها. قالوا ذلك لاعتقادهم أنها من جنس الحلف بالمخلوقات، وهذا مما يشترك فيه تعليق النذر والعتاق والطلاق إذا خرج مخرج اليمين (?)، فإذا كان مِنْ أصل طاووس أنها أيمان مكفرة= بطل أن يكون قوله قول هؤلاء، وهو قد جعل النذر يمينًا، ومن حلف على مباح أو محرم ولم يفعله= لزمته كفارة يمين.

والمعترض معترف بأنه لم يَنقل عن طاووس ما يناقض ما نقله العلماء عنه، ولهذا قال: (لم أنقل عن طاووس شيئًا، لأني لم أر عنده بنصٍّ ظاهرٍ خلاف ما نقله المصنف) (?)، لكن ذكر شيئًا من جنس شبه السوفسطائية، فيما نقله العلماء عنه، فهو في ذلك من المطففين، فإنه لو قوبل فيما ينقله بمثل هذه الاحتمالات= لم يبق بيده نقلٌ عن السلف في أكثر ما ينقله عنهم، فضلًا عن كونه إجماعًا، وسيأتي الكلام على هذا قريبًا -إن شاء الله تعالى- إذا ذكرناه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015