وتدوينها اعتناءً تامًّا حتى يستدل ببعضها على بعض، وبِبَيِّنِهَا (?) على مجملها، وبخاصِّها على عامها، ومقيَّدِها على مطلقها، كما فعل أتباع المذاهب المشهورة، وتناقلوها نقلًا مستفيضًا بحيث صار يحصل لكثيرٍ من المتمذهبين الظنُّ القوي بأنَّ تلك الأحكام هي قول إمامه ومذهبه، وتناقلها (?) المرجِّحُونَ لها قرنًا بعد قرن، عددًا يبلغ حد التواتر في معظم المسائل والقواعد من لدن زمن إمامه إليه، لا لفتيا مطلقة تُنقل عن إمامٍ لا يُدرى ما أراد بها، وهل اقترن بها مقتضى ذلك أم لا؟
فكنَّا نودُّ لو دُوِّنَت (?) تلك المذاهب كما دُوِّنَت هذه، ولكن في كتاب الله وسنة رسوله التي تكفَّل الله بحفظهما بقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] كفايةٌ عن كل مذهبٍ، وغَناءٌ عن كل قائل) (?).
فيقال له: إذا كان هذا قولك في أقوال السلف المعروفة المنقولة عنهم بالإسناد ألفاظهم فيها، وأنت لا تجزم بقولهم في تلك المسائل؛ فكيف تجزم بقول كل واحد من السلف في مسألة ليس معك فيها نقل إلا عن قليل من التابعين لا يبلغون عشرين نفسًا؟ ! ثم مع هذا تدعي إجماع الصحابة والتابعين وتابعيهم على ذلك.
وتعتمد في نقل الإجماع على نقل أبي ثور ونحوه للإجماع، وأنت لا تقبل نقلهم لأقوالٍ نقلوها بالإسناد، ونقلوا ألفاظ أصحابها، وجميع العلماء