فإنَّ مراد الإنسان نوعان: نوع يريده إرادةً جازمةً، ونوعٌ يريده إرادةً معلقةً بشرطٍ، فإذا وُجِدَ الشرطُ كان مرادًا له، وإنْ لم يوجد لم يكن مرادًا له، وهذا معنى قول جمهور الفقهاء مع الصفة تطليق، فلم يجعل الوقوع المعلَّق وحده تطليقًا، فَعُلِمَ أنه لم يصر مُطَلِّقًا إلا بالتعليق ووجود الصفة، والتطليق هو إيقاع الطلاق؛ فَعُلِمَ أنه لم يقع منه عند التعليق إيقاع جازم ولا تام ولا منجز، وإنما وقع منه تطليق معلق بالصفة.
ومن الفقهاء مَنْ قال: التعليق ليس بتطليق البتة، والطلاق الواقع بوجود الصفة لم يوقعه هو، بل هو وقع، وعلى هذا ينبني النزاع فيما إذا قال: إنْ طلقتكِ فعبدي حر أو فلانة طالق، فإنَّ هذا يتناول ما نجزه من الطلاق بعد هذا، وذلك ما يعلقه بعد هذا بشرطٍ يقع الطلاق عنده في المشهور عند أكثر العلماء (?)، وهو قول جمهور أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما.
ومنهم مَنْ قال: إذا وقع بعد هذا بتعليقٍ متأخر لم يكن تطليقًا، فلا توجد الصفة، وهذا أحد الوجهين في مذهبه ذكره القاضي أبو يعلى وهو ضعيف، وأما الطلاق إذا وقع بصفةٍ متقدمةٍ على هذا التعليق لم يكن قد طَلَّقَ بعد التعليق الثاني، بل وقع الطلاق بالتعليق الأول، فلا تحصل الصفة فلا يحصل المعلَّق بها، اللهم إلا أَنْ يقصد مجرد حصول المعلَّق سواء كان بتعليقٍ متقدم أو بغير ذلك.
* * *