المنصوص؛ كما يفعل ذلك كبراء أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما إذا وجدوا للإمام نصًّا في مسألة، ووجدوا له نصًّا في أخرى مثلها بخلاف ذلك = خَرَّجُوا له فيهما قولين، والقولان متناقضان، ولا يمنع تناقض قول الإمام أَنْ يكون في ذلك قولان مخرجان، كما لو نَصَّ على قولين متناقضين (?).
فالأئمة كلهم -الأربعة وغيرهم- يكون لأحدهم في المسألة الواحدة قولان صريحان متناقضان، ولا يمنع تناقضهما أَنْ يكونا قولين له، لأنَّ العلماء ليسوا بأنبياء معصومين، صمانما هم مجتهدون، وإذا لم يكن في المسألة إلا قولان = كان القول الموافق لحكم الله ورسوله أحدهما دون الآخر، وصاحب القول الآخر مأجورٌ على اجتهاده وخطؤه مغفورٌ له؛ فمن يجعل تناقض أقوال العلماء مانعًا من حكاية الأقوال المتناقضة عنهم = كان هذا مخالفًا لما عليه عامةُ العلماء في حكايتهم عن العالم الواحد عدة أقوال متناقضة.
ومعلومٌ أنه لا يعتقد القولين المتناقضين في وقت واحد، بل يعتقد هذا في وقت وهذا في وقت، وقد يقول في الوقت الواحد قولان، ويكون معنى ذلك التوقف؛ هل يقول بهذا أو بهذا؟ وأَنَّ المسألة تحتمل هذا وهذا، ليس مراده الجزم بأنَّ هذا قوله وهذا قوله؛ فإنَّ هذا لا يقوله عاقل، وهذا معنى قول الشافعي في المسألة قولان، وهذا يقوله أحمد -أيضًا-، وقد يذكر الأقوال ولا يرجح واحدًا منها، وإذا توقف جَعَلَ أصحابُهُ المسألةَ على