وأحمد وغيره من الأئمة ليسوا أنبياء، بل هم متبعون للرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومقصودهم اتباع ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وليس لأحدهم أَنْ يعم ما أراد ويستثني منه ما أراد، وإنما يعممون ما عمَّمه الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويخصون ما خصه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأحمد يخبر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما قاله، فيمتنع أن يخبر عنه بكلام متناقض، لامتناع التناقض في كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

ولهذا إذا احتج أحد العلماء بحجة ونقضها؛ قيل: هذه فاسدة وعلة فاسدة، لم يجز أن يقال في كلامه عام وخاص، كما يقال ذلك في كلام المعصوم - صلى الله عليه وسلم -.

فلو قال أحدهم: إنما حرم الله -تعالى- الخمر لأنها مسكرة، ثم أباح بعض المسكرات؛ لكان هذا تناقضًا يفسد علته وحجته، لا يجوز أن يقال: هذا من باب الخاص والعام.

فإذا قال أحمد وغيره من العلماء: لا يجوز الاستثناء في الطلاق والعتاق لأنه لا كفارة فيهما، والاستثناء إنما يكون فيما يكفر لا فيما لا يكفر، وقال مع هذا: إنَّ الحلف بالطلاق يجوز فيه الاستثناء دون التكفير = لكان هذا تناقضًا يقتضي فساد قوله، ليس هذا من باب العام والخاص.

فَعُلِمَ أَنَّ ما قاله أحمد -رحمة الله عليه- إنما يتوجه على إحدى الروايتين، وهو قوله: إنه لا استثناء لا في إيقاعه ولا في الحلف، وأما على الرواية التي يقول فيها إنه يجوز الاستثناء في الحلف به دون إيقاعه؛ فلا بُدَّ على هذه الرواية من أن يقول بجواز التكفير فيما جاز فيه الاستثناء، أو يَبْطُلَ قولُهُ: لا استثناء إلا فيما فيه كفارة، لكن هذا الأصل أصل مذهبه الذي بَنَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015