وأظهر، فيمتنع أن يحمل كلام الصحابة على خلاف الإجماع الذي لا يعلم فيه نزاع، ولا يحمل على خلاف ما ظُنَّ من الإجماع الذي عرف فيه النزاع.
فَمَن حَمَلَ كلامَ الصحابة على أنهم أفتوا بالكفارة لكون العتق لا بُدَّ أن يقصد به التقرب، فقد حَمَلَ كلامهم على خلاف إجماعٍ، اعتقادُ كونِهِ إجماعًا= أظهر من اعتقاد كون الطلاق المعلَّق بالصفة -فضلًا عن المحلوف به- إجماعًا؛ فكان حَمْلُ كلامهم على ما لا يخالف ذلك الإجماع -وإن خالف الثاني- أولى من حمل كلامهم على ما يخالف الإجماع الأول دون الثاني.
وأيضًا، فالصحابة رتَّبوا الحكم على كون التعليق يمينًا، فقالوا: كَفِّرِي يمينك، وسَوَّوَا في ذلك بين جميع ما علقه على وجه اليمين، والحكم المعلَّق باسم مشتق مناسب: يدل على أن ذلك المعنى هو المؤثر في الحكم، فدلَّ على أن المؤثر عندهم كونه قصد بالتعليق اليمين، لا كونه لم يقصد التقرب بالعتق.
وأيضًا؛ فلو كان المانع كونه لم يقصد التقرب بالعتق لكان ذلك يوجب إبطال العتق لا يوجب الكفارة، والصحابة أوجبوا كفارة يمين، وكفارة اليمين لا تجب في إيقاع العتق الذي لم يقصد به القربة عند أحدٍ من المسلمين، كما أَنَّ الكفارة لا تجب في إيقاع الطلاق الذي لم يقع، فلم يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ مَنْ أوقعَ الطلاق فلم يقع يلزمه كفارة يمين، ولا أَنَّ من أوقع العتق فلم يقع تلزمه كفارة يمين، فضلًا عن أَنْ يقال: إنَّ مَنْ قصد إيقاع العتق لغير الله، فلم يقع يلزمه كفارة يمين، بل لو نذر نذرًا لغير الله لم يلزمه كفارة يمين بلا ريب، فلو نذر نذرًا لبعض المخلوقات لم ينعقد ولا كفارة فيه.