وإذا قيل: هذا تناقض منه.
قيل: هكذا جميع الأقوال المخرَّجة للعلماء جميعهم؛ فإنَّ العالم الذي له في المسألة قولان أو ثلاثة معناه: أن له فيها قولين متناقضين، يناقض أحدهما الآخر، أو ثلاثة أقوال متناقضة، ليس المراد أنه يمكن الجمع بينهما، فإنه لو كان كذلك لم يكن (?) له إلا قول واحد، ولكن العالم يتكلم باجتهاده وبحسب علمه، فيظهر له تارة رجحان أحد القولين فيفتي به، ويظهر له تارةً رجحان القول الآخر فيفتي به.
والأنبياء -صلوات الله عليهم- يدخل في شرعهم المنسوخ والناسخ، لكن الحكم المنسوخ الذي شرعه الله والناسخ كلاهما كان شرعًا لله باطنًا وظاهرًا في وقته؛ كاستقبال القبلة، فإنَّ الله -تعالى- لما أمر رسوله ابتداءً باستقبال الصخرة كان هذا شرع الله ودينه باطنًا وظاهرًا، ثم لما حَوَّل القبلة وأمر باستقبال القبلة كان هذا شرعَ الله ودينه باطنًا وظاهرًا، لا يقال: إنه كان لله في الباطن حُكْمٌ لم يعرفه النبي وقت الحكم المنسوخ، بخلاف العالم فإنه ليس بنبي يُوحَى إليه، وإنما يجتهد ليعرف الحكم الذي استقر عليه شرع الرسول، فقد يتبين له تارة قولًا وتارة قولًا يناقضه، ثم قد يكون القول الأول هو الصواب في نفس الأمر، وقد يكون الثاني هو الصواب (?).
ولهذا اختلف الناس في الإمام إذا كان له قولان متقدم ومتأخر، بل كان له قول وصرَّحَ برجوعه عنه، هل يجوز أَنْ يحكى له قولان أو لا يُحكَى عنه إلا القول المتأخر، واختلف في ذلك أصحاب أحمد على قولين؛ منهم من