سنته -التي لا ريب فيها- من أَنَّ أهل مكة صلوا بصلاته في عرفة ومزدلفة ومنى جمعًا وقصرًا (?)، وكذلك كانوا يفعلون في خلافة أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - وصدرًا من خلافة عثمان - رضي الله عنه - لمَّا كان يقصر الصلاة (?)، ثم لما أتمها للاجتهاد الذي رآه. تشعب للناس عن ذلك أقوال مذكورة في غير هذا الموضع.
واختلف الناس في مأخذه في اجتهاده: هل كان ذلك لأنه كان تَأَهَّلَ بمكة؟ أو لأن بعض الأعراب ظنوا الصلاة لا تكون إلّا قصرًا؟ أو لأنه رأى جواز الأمرين ففعل الجائز؟ أو لأنه لما عُمِرَت منى وكان المقيم بها لا يحمل الزاد والمزاد رأى عثمان - رضي الله عنه - أنَّ النازل بها مقيم، ولهذا لم يقصر بعرفة ومزدلفة مع وجود ما ذكر من الإتمام، ولم يكن عثمان - رضي الله عنه - يقصر في طريقه من المدينة إلى مكة، ولا كان ممن يجوز له المقام بمكة، بل كان إذا اعتمر يُنيخ راحلته ويعتمر ثم يخرج، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما رَخَّص للمهاجر أن يقيم بمكة بعد نسكه ثلاثًا. أخرجاه في الصحيحين (?).