جعل هذا جزمًا بالإجماع فهو جاهل جهلًا بينًا؛ بل لو كُلِّفَ أَنْ يحلف بالطلاق -مع اعتقاده لزومه- أَنَّ أحدًا من الأمة لم يخالف في الطلاق لمَا اجترأَ على ذلك (?)، وأما المثبِت للخلاف فيحلف الأيمان المغلظة ويباهل من يباهله على أَنَّ الخلاف موجود في الأمة من سلفها وخلفها في وقوع الطلاق وفي التكفير.
وأئمة العلم ينكرون على مثل هذا المعترض وأمثاله الذين يتكلمون بالجهل، ويَقْفون ما ليس لهم به علم، ويجزمون بإجماع الأمة على ذلك، وليس لهم بهذا الإجماع من علم البتة؛ وغاية ما عندهم نَقْلُ مَنْ نَقَلَ ذلك، وأسبق من نقل الإجماع في ذلك أبو ثور، وكل من جاء بعده فعنه أخذ ذلك؛ ومحمد بن نصر عنه أخذه، وكذلك ابن جرير الطبري، وابن عبد البر عنه أخذه ابن رشد الحفيد (?).
وابن المنذر لَمَّا كان أوسع علمًا بالاختلاف في هذا، وعَلِمَ قلة عدد القائلين بذلك = لم يذكر إلّا إجماع من يحفظ قوله -لم يذكر إجماع العلماء- كما جرت عادته في المسائل التي لم يحفظ فيها أقوال عامة الأمة، وإنما يحفظ فيها قول عددٍ منهم، فيقول: أجمع من نحفظ قوله؛ يعني: مَنْ يحفظ قوله في تلك المسألة لا يريد كُلَّ من قال قولًا ما، وهذا بَيِّنٌ في كتابه، وقد ذكرت ألفاظه وألفاظ غيره في غير هذا الموضع (?).