وإذا قال: إِنْ خالفتِ أمري أو عصيتني أو فعلتِ ما نهيتُكِ عنه فأنت طالق -وقصدُهُ أَنْ يقعَ الطلاقُ إذا فعلت ذلك- فهذا مُطَلِّقٌ عند الصفة طلاقًا مقيدًا موصوفًا بتلك الصفة ليس هذا بحالف، ولو قال: الطلاق يلزمني لا تفعلي كذا وكذا أو إِنْ فعلتيه فأنت طالق، وهو يكره وقوع الطلاق وإِنْ فَعَلَتْهُ كما يكره طلاق نسائه وعتق عبيده وخروجه من ماله وبراءته من دين الإسلام، وإنما عَلَّقَ ذلك المكروه لاعتقاده أنَّهُ إذا حلفَ عليها تَبَرُّ قَسَمَهُ إما إكرامًا له وإما خوفًا من ضررٍ يلحقه بتحنيثه يمينَه أو طلاقها = فهذا حالف.
والحالف يحلف وهو يعتقد أَنَّ المحلوف عليه يَبَرُّ قسمه، ولو اعتقد أنه يحنثه لم يحلف إذا اعتقد أنه يلزمه ذلك المكروه؛ فالحالف باللوازم التي يكره لزومها إذا اعتقد أنها تلزمه لم يحلف إلا إذا اعتقد أنه لا يحنث، لا يقع في العادة أن يعلم أن تلك المكروهات التي لا يريدها تلزمه إذا حنث ويعلم أنه يحنث وهو مع ذلك يحلف، فإنَّ هذا يستلزم أن يكون غير مريد لِأَنْ يقع بحال، ويفعل ما يعلم أنه مستلزم لوقوعها، وإرادةُ الملزومِ إرادةٌ للازم، فيلزم أن يكون غير مريد وهو مريد، وهذا لا يفعله إلا من يكون مكرهًا على اليمين، وكثيرًا ما يعتقد الحالف أنه لا يحنث ثم يحنث.
وأما إذا اعتقد أنه لا بُدَّ أَنْ يحنث وحلف؛ فهذا يكون ممن يرى في الحنث مخرجًا، أو أَنْ يُقَدِّرَ في نفسِهِ أنه إذا حنث لزمه ذلك الأمر الذي لم يرده البتة، ولكن حصل بغير إرادته فيحتمله كما يحتمل المكرَه ما يُكرَه عليه من العقاب الحاصل بغير إرادته، وإِنْ علم أَنَّ مقصوده لا يحصل بدونه.
وأما المعلِّق الذي يقصد الإيقاع فهو يريده إذا وجد الشرط ويعلقه به مع علمه بأنَّ الشرط يكون، بل إذا علم وجود الشرط كان أدعى له إلى الإيقاع،