فإذا قال: والله إن استوفيت ما لي لأحجنَّ العام ليتجر بمكة أو ليحج، ولكن ليس مقصوده أَنْ يوجب عليه لله شيئًا، بل قصده حَضُّ نفسه على الفعل؛ فهذا حالفٌ -أيضًا- تجزئه كفارة يمين.
وكذلك لو قصد هذا المعنى بقوله: إِنْ استوفيتُ مالي فلله عليَّ أَنْ أحج؛ ولم يلتزم هذا لله -سبحانه- شكرًا له على تخليصه منه وقصدًا للتقرب به إلى الله، بل قَصَدَ بذلك ما يقصده الحالف، وَإِنْ كان لم يقصد الالتزام البتة مع جعله لازمًا له -وهو نذر اللجاج والغضب-؛ فهذا أبعد عن أَنْ يكون قد التزم شيئًا لله، فإنه لم يقصد أَنْ يلزمه شيءٌ البتة، وإذا فَعَلَ ما نذره لم يفعله ليتقرب بفعله إلى الله -تعالى-، بل لكونه لزمه بغير قصد منه للزومه له.
فصلٌ
وقوله: (فهذه مدحضة يجب النظر فيها؛ والذي ظهر لي ما رَمزت إليه، ولكني قليل الهجوم على ما لم أسبق إليه) (?).
فيقال له: لو استعملت ترك الهجوم على ما لم تسبق إليه في كثيرٍ مما ذكرته في هذا الاعتراض نقلًا وبحثًا= لم نحتج إلى بيانِ كثيرٍ من بيان غلطك نقلًا وبحثًا، [و] (?) لكان ذلك مغنيًا عن رَدِّ ما هجمتَ عليه من مخالفةِ العلماء قاطبة في تعليل آثار تلقوها بالقبول والتصديق لم يعللها أحد قبلك، وَمِنْ نَقْلِ أقوالٍ عن الصحابة والتابعين -رضوان الله عليهم- لم ينقلها عنهم