96 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ كُلَّ شَيْءٍ أَدْرَكَهُ بَصَرُهُ»

-[64]-

97 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِلَى مَنْ تُرْفَعُ الْأَعْمَالُ، وَاللَّهُ بِزَعْمِكُمُ الْكَاذِبِ مَعَ الْعَامِلِ بِنَفْسِهِ فِي بَيْتِهِ، وَمَسْجِدِهِ، وَمُنْقَلَبِهِ، وَمَثْوَاهُ؟ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.

98 - وَالْأَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي هَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصِيَهَا كِتَابُنَا هَذَا، غَيْرَ أَنَّا قَدِ اخْتَصَرْنَا مِنْ ذَلِكَ مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ أُولُو الْأَلْبَابِ أَنَّ الْأُمَّةَ كُلَّهَا وَالْأُمَمَ السَّالِفَةَ قَبْلَهَا لَمْ يَكُونُوا يَشُكُّونَ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ فَوْقَ السَّمَاءِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، غَيْرَ هَذِهِ الْعِصَابَةِ الزَّائِغَةِ عَنِ الْحَقِّ، الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَأَثَارَاتِ الْعِلْمِ كُلِّهَا، حَتَّى لَقَدْ عَرَفَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ كُفَّارِ الْأُمَمِ وَفَرَاعِنَتِهِمْ. {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} . وَاتَّخَذَ فِرْعَوْنُ إِبْرَاهِيمَ النُّسُورَ وَالتَّابُوتَ يَرُومُونَ الِاطِّلَاعَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ، وَذَلِكَ لَمَّا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ كَانُوا يَدْعُونَهُمْ إِلَى اللَّهِ بِذَلِكَ، وَقَالَتْ -[65]- بَنُو إِسْرَائِيلَ: يَا رَبِّ أَنْتَ فِي السَّمَاءِ وَنَحْنُ فِي الْأَرْضِ. وَأَشْبَاهُ هَذَا كَثِيرٌ، يَطُولُ إِنْ ذَكَرْنَاهَا

99 - وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ وَبَاطِنُهُ كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، لَا لَبْسَ فِيهِ، وَلَا تَأَوُّلَ إِلَّا لِمُتَأَوِّلٍ جَاحِدٍ يُكَابِرُ الْحُجَّةَ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا عَلَيْهِ.

100 - قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} [الكهف: 1] . وَقَوْلُهُ: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} [آل عمران: 4] . وَقَوْلُهُ: {حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [فصلت: 1] . {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42] . {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] . {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: 3] . {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [النور: 1] . وَمَا أَشْبَهَ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ كَثِيرٌ، كُلُّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِهِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا يَدَّعِي هَؤُلَاءِ الزَّائِغَةُ أَنَّهُ تَحْتَ الْأَرْضِ وَفَوْقَهَا كَمَا هُوَ عَلَى الْعَرْشِ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ لَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ: إِنَّا أَطْلَعْنَاهُ إِلَيْكَ، وَرَفَعْنَاهُ إِلَيْكَ، وَمَا أَشْبَهَهُ. وَقَالَ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} [مريم: 64] وَ {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشعراء: 193] وَ {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل: 102] . وَلَمْ يَقُلْ: مَا نُخْرِجُ مِنْ تَحْتِ الْأَرْضِ، وَلَا يَصْعَدُ مِنْهَا

101 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَظَاهِرُ الْقُرْآنِ وَبَاطِنُهُ يَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ ذَلِكَ، نَسْتَغْنِي فِيهِ بِالتَّنْزِيلِ عَنِ التَّفْسِيرِ، وَيَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ، وَالْخَاصَّةُ، فَلَيْسَ مِنْهُ لِمُتَأَوِّلٍ تَأَوُّلٌ، إِلَّا لِمُكَذِّبٍ بِهِ فِي نَفْسِهِ، مُسْتَتِرٍ بِالتَّأْوِيلِ.

-[66]-

102 - وَيْلَكُمْ إِجْمَاعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَجَمِيعِ الْأُمَّةِ، مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَالْفَرَائِضِ وَالْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ: نَزَلَتْ آيَةُ كَذَا فِي كَذَا، وَنَزَلَتْ آيَةُ كَذَا فِي كَذَا، وَنَزَلَتْ سُورَةُ كَذَا فِي مَكَانِ كَذَا. لَا نَسْمَعُ أَحَدًا يَقُولُ: طَلَعَتْ مِنْ تَحْتِ الْأَرْضِ، وَلَا جَاءَتْ مِنْ أَمَامٍ، وَلَا مِنْ خَلْفٍ، وَلَكِنُ كُلُّهُ: نَزَلَتْ مِنْ فَوْقٍ.

103 - وَمَا يَصْنَعُ بِالتَّنْزِيلِ مَنْ هُوَ بِنَفْسِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ. إِنَّمَا يَكُونُ شِبْهَ مُنَاوَلَةٍ، لَا تَنْزِيلًا مِنْ فَوْقِ السَّمَاءِ مَعَ جِبْرِيلَ، إِذْ يَقُولُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل: 102] . وَالرَّبُّ بِزَعْمِكُمُ الْكَاذِبِ فِي الْبَيْتِ مَعَهُ، وَجِبْرِيلُ يَأْتِيهُ مِنْ خَارِجٍ. هَذَا وَاضِحٌ، وَلَكِنَّكُمْ تُغَالِطُونَ، فَمَنْ لَمْ يَقْصِدْ بِإِيمَانِهِ وَعِبَادَتِهِ إِلَى اللَّهِ الَّذِي اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ، وَبَانَ مِنْ خَلْقِهِ، فَإِنَّمَا يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ، وَلَا يَدْرِي أَيْنَ اللَّهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015