397 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَحْيَى الْبُوَيْطِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي الزِّنْدِيقِ قَالَ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ إِذَا رَجَعَ، وَلَا يُقْتَلُ، وَاحْتَجَّ فِيهِمْ بِ {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون: 1] الْآيَةِ. فَأَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَدَعَ قَتْلَهُمْ لِمَا يُظْهِرُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَكَذَلِكَ الزِّنْدِيقُ إِذَا -[213]- أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ كَانَ فِي هَذَا الْوَقْتِ مُسْلِمًا، وَالْمُسْلِمُ غَيْرُ مُبَدِّلٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟»

398 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَنَا أَقُولُ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَنْ تُقْبَلَ عَلَانِيَتُهُمْ إِذَا اتَّخَذُوهَا جُنَّةً لَهُمْ مِنَ الْقَتْلِ، أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا أَسَرُّوا، فَلَا يُقَتَّلُوا، كَمَا أَنَّ الْمُنَافِقِينَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَلَمْ يُؤْمَرْ بِقَتْلِهِمْ، وَالزِّنْدِيقُ عِنْدَنَا شَرٌّ مِنَ الْمُنَافِقِ، فَلَرُبَّمَا كَانَ الْمُنَافِقُ جَاحِدًا بِالرَّسُولِ وَالْإِسْلَامِ، مُقِرًّا بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مُثْبِتًا لِرُبُوبِيَّتِهِ فِي نَفْسِهِ، وَالزِّنْدِيقُ مُعَطِّلٌ لِلَّهِ، جَاحِدٌ بِالرُّسُلِ وَالْكُتُبِ. وَمَا يُعْرَفُ فِي الْإِسْلَامِ زَنَادِقَةٌ غَيْرُ هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةِ، وَأَيُّ زَنْدَقَةٍ بِأَظْهَرَ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامَ فِي الظَّاهِرِ، وَفِي الْبَاطِنِ يُضَاهِي قَوْلُهُ فِي الْقُرْآنِ قَوْلَ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ الَّذِينَ رَدُّوا عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَقَالُوا: {إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} [ص: 7] . وَ {إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [الأنعام: 25] . وَ {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 25] . كَمَا قَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ سَوَاءٌ: إِنْ هَذَا إِلَّا مَخْلُوقٌ. وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ أَيْضًا أَئِمَّةُ سَوْءٍ أَقْدَمُ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، وَهُمْ عَادٌ قَوْمُ هُودٍ، الَّذِينَ قَالُوا لِنَبِيِّهِمْ: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ، إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ، وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [الشعراء: 137] . فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْجَهْمِيَّةِ وَبَيْنَهُمْ حَتَّى نَجْبُنَ عَنْ قَتْلِهِمْ وَإِكْفَارِهِمْ؟

399 - وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا حُجَّةٌ فِي قَتْلِهِمْ وَإِكْفَارِهِمْ إِلَّا قَوْلَ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَسَلَّامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَوَكِيعٍ، وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَأَبِي تَوْبَةَ، وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَنُظَرَائِهِمْ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، لَجَبَنَّا عَنْ قَتْلِهِمْ وَإِكْفَارِهِمْ بِقَوْلِ -[214]- هَؤُلَاءِ، حَتَّى نَسْتَبْرِئَ ذَلِكَ عَمَّنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ وَأَقْدَمُ، وَلَكِنَّا نُكَفِّرُهُمْ بِمَا تَأَوَّلْنَا فِيهِمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرُوِّينَا فِيهِمْ مِنَ السُّنَّةِ، وَبِمَا حَكَيْنَا عَنْهُمْ مِنَ الْكُفْرِ الْوَاضِحِ الْمَشْهُورِ، الَّذِي يَعْقِلُهُ أَكْثَرُ الْعَوَّامِّ، وَبِمَا ضَاهَوْا مُشْرِكِي الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ بِقَوْلِهِمْ فِي الْقُرْآنِ، فَضْلًا عَلَى مَا رَدُّوا عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ تَعْطِيلِ صِفَاتِهِ، وَإِنْكَارِ وَحْدَانِيَّتِهِ، وَمَعْرِفَةِ مَكَانِهِ، وَاسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ بِتَأْوِيلِ ضُلَّالٍ، بِهِ هَتَكَ اللَّهُ سِتْرَهُمْ، وَأَبَّدَ سَوْءَتَهُمْ، وَعَبَّرَ عَنْ ضَمَائِرِهِمْ، كُلَّمَا أَرَادُوا بِهِ احْتِجَاجًا ازْدَادَتْ مَذَاهِبُهُمُ اعْوِجَاجًا، وَازْدَادَ أَهْلُ السُّنَّةِ بِمُخَالَفَتِهِمُ ابْتِهَاجًا، وَلِمَا يُخْفُونَ مِنْ خَفَايَا زَنْدَقَتِهِمُ اسْتِخْرَاجًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015