وَقَالَ: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة: 37] ،

277 - قَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ فِي تَفْسِيرِهَا: قَالَ: قَالَ آدَمُ لِرَبِّهِ، وَذَكَرَ خَطِيئَتَهُ: رَبِّ، أَشَيْءٌ كَتَبْتَهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ تَخْلُقَنِي، أَمْ شَيْءٌ ابْتَدَعْتُهُ؟ فَقَالَ: بَلْ شَيْءٌ كَتَبْتُهُ عَلَيْكَ قَبْلَ أَنْ أَخْلُقَكَ، قَالَ: فَكَمَا كَتَبْتَهُ عَلَيَّ فَاغْفِرْهُ لِي قَالَ: فَهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة: 37]

278 - حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَنْبَأَ سُفْيَانُ يَعْنِي الثَّوْرِيَّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ، سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ، يَقُولُهُ

279 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَسُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ آدَمَ، فَقَالَ: «كَانَ نَبِيًّا مُكَلَّمًا»

280 - وَقَالَ اللَّهُ: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] . وَقَالَ: {سَلَّامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: 58] . وَقَالَ لِقَوْمِ مُوسَى حِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا، وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا} [طه: 89] . وَقَالَ -[157]-: {عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ، أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمُ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا، اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ} [الأعراف: 148] .

281 - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَفِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا تَحْقِيقُ كَلَامِ اللَّهِ وَتَثْبِيتُهُ نَصًّا بِلَا تَأْوِيلٍ، فَفِيمَا عَابَ اللَّهُ بِهِ الْعِجْلَ فِي عَجْزِهِ عَنِ الْقَوْلِ وَالْكَلَامِ بَيَانٌ بَيِّنٌ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرُ عَاجِزٍ عَنْهُ، وَأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ وَقَائِلٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعِيبُ الْعِجْلَ بشَيْءٍ هُوَ مَوْجُودٌ بِهِ.

282 - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا، فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} [الأنبياء: 63] . الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 67] . فَلَمْ يَعِبْ إِبْرَاهِيمُ أَصْنَامَهُمْ وَآلِهَتَهُمُ الَّتِي يَعْبُدُونَ بِالْعَجْزِ عَنِ الْكَلَامِ إِلَّا وَأَنَّ إِلَهَهُ مُتَكَلِّمٌ قَائِلٌ.

283 - فَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ بَيَانٌ بَيِّنٌ لِمَنْ آمَنَ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَصَدَّقَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109] . وَقَالَ: {وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ، وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} . وَصَدَقَ وَبَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَوْ جُمِعَ مِيَاهُ بِحُورِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعُيُونِهَا، وَقُطِّعَتْ أَشْجَارُهَا أَقْلَامًا لَنَفِدَتِ الْمِيَاهُ وَانْكَسَرَتِ الْأَقْلَامُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ اللَّهِ، لِأَنَّ الْمِيَاهَ وَالْأَشْجَارَ مَخْلُوقَةٌ، وَقَدْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْفِنَاءَ عِنْدَ انْتِهَاءِ مُدَّتِهَا، وَاللَّهُ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَلَا يَفْنَى كَلَامُهُ، وَلَا يَزَالُ مُتَكَلِّمًا بَعْدَ الْخَلْقِ، كَمَا لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا قَبْلَهُمْ، فَلَا يُنْفِدُ الْمَخْلُوقُ الْفَانِي كَلَامَ الْخَالِقِ الْبَاقِي، الَّذِي لَا -[158]- انْقِطَاعَ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةُ أَنَّهُ كَلَامٌ مَخْلُوقٌ أُضِيفَ إِلَى اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَتَكَلَّمْ بشَيْءٍ قَطُّ، وَلَا يَتَكَلَّمُ بشَيْءٍ قَطُّ، وَلَنْ يَتَكَلَّمَ لَنَفِدَ كُلُّ مَخْلُوقٍ مِنَ الْكَلَامِ قَبْلَ أَنْ يَنْفَدَ مَاءُ بَحْرٍ وَاحِدٍ مِنَ الْبُحُورِ، لِأَنَّهُ لَوْ جُمِعَ كَلَامُ خَلْقِ اللَّهِ كُلِّهُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالطَّيْرِ وَالْبَهَائِمِ كُلِّهَا، وَجَمِيعِ أَعْمَالِهِمْ، وَكُتِبَ بِمَاءِ بَحْرٍ وَاحِدٍ مِنَ الْبُحُورِ، لَكُتِبَ كُلُّ ذَلِكَ وَنَفِدَ قَبْلَ أَنْ يَنْفَدَ مَاءُ بَحْرٍ وَاحِدٍ، وَلَا عُشْرُ بَحْرٍ وَاحِدٍ، وَلَكِنَّهُ كَلَامٌ لَا انْقِطَاعَ لَهُ، فَلَا يَنْفَدُ مَا لَا يَفْنَى، وَيْنَقَطِعُ مَا يَبْقَى.

284 - ثُمَّ الْأَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، جُمَّةٌ كَثِيرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ بِتَحْقِيقِ كَلَامِ اللَّهِ وَتَثْبِيتِهِ، وَسَنَأْتِي مِنْهَا بِبَعْضِ مَا حَضَرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015