قال أبو سعيد رحمه الله: فتأويلُ قَولِهِم ومَذْهَبِهِم أنه كُلَّمَا حدث لله خَلْقٌ، حَدَثَ له علمٌ بِكَينُونَتِه، عِلْمٌ لم يَكُنْ عَلِمَهُ، ففي تأويلهم هذا، كان اللهُ ولا علم له -بزعمهم- حتى جاءَ الخَلْقُ فَأَفَادُوهُ عِلمًا، فكلما حَدَثَ خَلْقٌ حدث لله علمٌ -بزعمهم- فهو بما كان -بزعمهم- عَالِمٌ، وبما لم يكن غيرُ عالمٍ حتى يكون، فتعالى الله عما يصفون.
قال الله - عز وجل -: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} الآية [لقمان: 34] وقال: {قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26)} [الملك: 26] وقال: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} [الأعراف: 187] وقال: ... {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ} [طه: 52].
فَكَيفَ يَحْدُثُ للهِ عِلْمٌ بكينونةِ الخَلْقِ، وعلى عِلْمِهِ السابق فِيهِم خُلِقُوا، وبما كتب عليهم في أُمِّ الكتابِ يعملون لا يزيدون مثقالَ حبَّةٍ ولا ينقصون.
قال: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)} [القمر: 52 - 53] وقال: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)} [الزخرف: 4] وقال: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)} [الرعد: 43] وقال: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36] وقال: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)} [الحديد: 22] وقال: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} [فاطر: 11] {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي