وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)} [الأنفال: 22 - 23] ولكن، عَلِمَ منهم غيرَ ذلك؛ فصاروا إلى ما عَلِمَ منهم.
وأخبر بعلمه في قوم، فقال: {وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10)} [يس: 10].
وأخبر عن قوم آخرين فقال: {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75)} [المؤمنون: 75].
فَمَنْ آمن بِكتابِ اللهِ وصَدَّقَ رُسُلَ اللهِ؛ اكتفى ببعض ما ذكرنا في علم الله السابق في الخلق، وأعمالهم قبل أن يعملوها، ومن يُحْصِي ما في كتاب الله، وفي آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه، والتابعين، في إثبات علم الله له والإقرار به، ويكفي في معرفة ذلك أَقَلُّ مما جمعنا، ولكن جمعناها لِيَتَدَبَّرَهَا أهلُ العُقُولِ والأَفْهَامِ؛ فيعرفوا ضلالة هؤلاء الذين أَخْرَجُوا اللهَ من العِلْمِ ونفوه عنه، وجعلوه في العلم والمعرفة كالخلق سواء، فقالوا: كما لا يَعْلَمُ الخَلْقُ بالشيءِ قبل أن يكون، فكذلك الله -بزعمهم- لا يعلمُ قَبْلَ أن يكون، فما فَضْلُ علاَّمِ الغُيُوبِ الذي يَعْلَمُ السِّرَّ وأخفى على المخلوق الذي لا يعلمُ شيئًا، إلا ما عَلَّمَهُ اللهُ.
وهذا المذهب الذي ادعوه في علم الله قد وافقهم على بعضه بعضُ المُعْتَزِلةِ؛ لأنه لا يبقى مذهبُ الفريقينِ جميعًا إلا بِرَدِّ عِلْمِ الله، فكفى به ضلالاً، ولأنهم متى ما أقروا بعلم سابق؛ خُصِمُوا، كذلك قال عمر بن عبد العزيز.
(115) حدثنا نُعَيمُ بنُ حمَّادٍ، عن ابن المبارك، عن مَعْمَرٍ، عن زيد بن رُفَيْعٍ الجَزَرِي، عن عُمرَ بنِ عبد العَزِيزِ قال: «مَنْ أَقَرَّ بِالعِلمِ فَقَدْ خُصِم» (?).