"وقد رد العراقي وغيره قول ابن الصلاح هذا وأجازوا لمن تمكن وقويت معرفته أن يحكم بالصحة أو بالضعف على الحديث بعد الفحص عن إسناده وعلله وهو الصواب، والذي أراه أن ابن الصلاح ذهب إلى ما ذهب إليه بناء على القول بمنع الاجتهاد بعد الأئمة، فكما حظروا الاجتهاد في الفقه، أراد ابن الصلاح أن يمنع الاجتهاد في الحديث وهيهات، فالقول بمنع الاجتهاد قول باطل، لا برهان عليه من كتاب ولا سنة، ولا تجد له شبه دليل".

أقول: فقد اتفقت كلمات هؤلاء الأئمة جميعًا على أن الشرط الوحيد لمن يصحح ويضعف أن يكون متمكنًا في علم الحديث عارفًا بعلله ورجاله، ولم يتعرض أحد منهم -ولو تلميحًا- للشرط الذي ادعاه الشيخ، فدل ذلك على أنه شرط ساقط الاعتبار، وأن الشيخ يدعي أشياء ليست من "المصطلح" في شيء، وليته اكتفى بذلك بل هو يلصقها بعلم المصطلح، ويرمي مخالفه بالجهل".

ومما يدل العاقل على بطلان هذا الشرط وأنه لم يقل به أحد قبل الشيخ جريان العمل على خلافه من العلماء في سائر البلاد الإسلامية، كابن عراق صاحب كتاب "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة" وعبد الرؤوف المناوي صاحب "فيض القدير شرح الجامع الصغير" وأبي الحسنات اللكنوي الهندي صاحب الكتب الكثيرة النافعة، والشيخ أنور الكشميري مؤلف "فيض الباري على صحيح البخاري" والصنعاني، والشوكاني، وغير هؤلاء كثيرون في كل قطر ومصر ممن لا يشملهم عد ولا حصر، وقد صرح بما ذهبنا إليه الإمام الصنعاني في رسالته "إرشاد العباد إلى تيسير الإجتهاد" فقال (ص 21):

"فقد تقرر لك بما سقناه واتضح لك مما حققناه أن للناظر في هذه الأعمار أن يصحح ويضعف ويحسن، كما فعله من قبله الأئمة الكبار، فإن عطاء ربك لم يكن محظورًا، وإفضاله الممدود ليس على السابق مقصورًا ... ".

والصنعاني هذا من علماء القرن الثاني عشر، وما أظن أن الشيخ يعتقد الحفظ بأحد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015