بأصحابه على عملهم بشيء حدث من بعده -صلى الله عليه وسلم- يؤمنون به غيبًا بسبب هذه المصاحف التي يقرؤونها ويعرفون صدقه -صلى الله عليه وسلم- بها فليس في الحديث -لو صح- أي حض الصحابة على العمل بما لا يعرفونه، كيف وهم مؤمنون به حافظون لكتابه عالمون بسيرته؟ ! وهذا بخلاف حديث: (نعم المذكر السبحة) فليس فيه أدنى إشارة إلى أنه -صلى الله عليه وسلم- يحض أصحابه على شيء سيحدث، بل لا يتبادر منه إلا أنه يحضهم عليها وهي معروفة لديهم، فظهر الفرق بينه وبين حديث (الورق المعلق) (?) وسقطت بذلك محاولة الشيخ لإبطال حكمنا على الحديث بالبطلان.
وأما المثال الثاني وهو حديث المنارة، فالجواب:
إن استدلال المؤلف به على حض الصحابة على العمل بما لا يعرفونه في الحال من أعجب الأمور في زعمي! وذلك لوجوه:
الأول: أن الحديث غاية ما فيه الإخبار عن نزول عيسى عليه السلام عند المنارة، فليس فيه أي حض عليها.
الثاني: من أين للمصنف أن المراد بـ "المنارة" في الحديث: المئذنة التي يؤذن عليها، وليس في الحديث ما يشير إلى ذلك أدنى إشارة، و"المنارة" في اللغة لها معاني أخري: نفي "القاموس": "والمنارة موضع النور كالمنار، والمسرجة، والمئذنة" وفي "لسان العرب": "والمنار جمع منارة وهي العلامة التي تجعل بين الحدين".
فما دام أن لـ "المنارة" معاني عديدة فلا يجوز أن نعين معنى واحدًا منها إلا بدليل وهو مفقود ههنا، ولعل الشيخ يظن أن هذه المنارة هي التي في شرقي مسجد بني أمية ويسميها العامة منارة عيسى عليه السلام! فقيد الشيخ الحديث بمفهومهم! وهو مردود عليه، سميا وقد قال النووي في "شرح مسلم": "وهذه المنارة وجودة اليوم شرقي دمشق".