الأول: أنني ضعفت إسناده والشيخ وافقني على تضعيفه من هذه الناحية، ولم أحكم بسببها عليه بالوضع فسقط احتجاجه علي بالقاعدة الأولي.
الثاني أنني حكمت بوضعه لأن السبحة بدعة، ولأن التسبيح بها خلاف السنة العملية، كما بينته في "المقال"، فيسقط بهذا قول الشيخ (ص 13) بعد أن نقل كلامي في الحكم عليه بالبطلان:
"إبطالك هذا باطل، فمن أين ينطبق هذا على ما قالوه فيها يدرك به الموضوع؟ وهو ما قدمناه عن الحافظ ابن حجر أن يكون الخبر مناقضًا لصريح العقل".
ووجه سقوطه أن كلام الحافظ مُنْصَبٌّ على الحديث الصحيح الإسناد إذا افترض مخالفته لصريح العقل كما سبق بيانه، وحديثنا هذا ليس كذلك، بل هو ضعيف، فالحكم بطلانه أسهل من الحكم ببطلان الصحيح الإسناد بلا شك، وليس شرطًا أن يكون مناقضًا لصريح العقل، بل يكفي فيه أن يكون مخالفًا السنة الصحيحة مثلًا كما أفاده كلام ابن كثير السابق.
بدعة السبحة ومخالفتها للسنة كنت برهنت في "المقال" الذي رد عليه الشيخ أن السبحة بدعة، وأن التسبيح بها مخالف لهديه -صلى الله عليه وسلم- في التسبيح بالأنامل؛ وجعلت هذين الأمرين من القرائن الدالة على بطلان الحديث ووضعه، ولكن الشيخ لم يرضه ذلك.
أما القرينة الأولى فردها بمغالطة مكشوفة وهي قوله (ص 10):
"فليت شعري أي عقل يحيل إحالة مقطوعة بها وجود السبحة في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
ووجه المغالطة أنني لم أدَّع استحالة وجود السبحة في ذلك العهد المبارك -عقلًا-، لأن ذلك ليس من "ما لا يتصور في العقل وجوده" قطعا، وليست السبحة من المسائل النظرية التي يحكم العقل بإمكانها أو استحالتها، وإنما هي من المسائل المتعلقة بالتاريخ وجودًا وعدمًا، وإذا كان من المقرر عند العلماء أن السبحة لم تكن في عهده -صلى الله عليه وسلم- وإنما حدثت في القرن الثاني، فيصح حينئذ استنكار هذا الحديث باعتبار أنه يحض الصحابة على أمر لا يعرفونه، وهذا -أعني الحض- غير معقول صدوره منه -صلى الله عليه وسلم- مع عدم وجود السبحة فدل ذلك على وضع الحديث وعلى جهل واضعه بتاريخ السبحة.