الوجه الثاني أن يقال الذي يظهر من إيراد المؤلف وأبي رية لما ذكره الخطيب البغدادي وحيدر بن أبي جعفر عن البخاري أنهما أرادا بذلك التشكيك فيما يكتبه البخاري من حفظه واتهامه بأنه كان يتساهل في كتابة الحديث ولا يعتني بضبط الألفاظ. وفيما ذكرته آنفا عن ابن عدي وأبي الأزهر وحاشد بن إسماعيل كفاية في الرد على من توهم النقص في حفظ البخاري أو ظن به التساهل في كتابة الحديث وقلة الاعتناء بضبط الألفاظ.
وقد جعل الله تعالى للبخاري لسان صدق عند جميع أهل السنة والجماعة فلا يضره تشدق العصريين وتنطعهم بما يرون أنه يحط من قدره, وقد جعل الله لصحيحه القبول التام عند جميع أهل السنة والجماعة فلا يلحق أحداً منهم شك في شيء من أحاديثه. وقد خالفهم تلامذة الإِفرنج ومقلدوهم من العصريين فأثاروا التشكيكات في حفظ البخاري واتهموه بالتساهل في كتابة الحديث وأثاروا التشكيكات في صحيحه وطعنوا في كثير من أحاديثه وقابلوها بالرد والاطراح. وهذا لا يضر البخاري ولا يؤثر في صحيحه. وإنما يعود وبال ذلك على أولئك المتشدقين المتنطعين فيظهر للناس ما كانوا يخفونه من الزندقة والإِلحاد ومحادة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم واتباع غير سبيل المؤمنين. وإنه لينطبق على البخاري وعلى المشككين في حفظه وإتقانه وفي صحيحه قول الشاعر:
وما ضر نور الشمس أن كان ناظراً ... إليه عيون لم تزل دهرها عميا
وقول الأعشى:
كناطح صخرة يوما ليوهيها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
وقول الحسين بن حميد
يا ناطح الجبل العالي ليكلمه ... أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
فصل
وقال المؤلف في صفحة (26) و (27) ما نصه
مثل آخر على اختلاف الرواية في تأبير النخل في أربع روايات. الرواية الأولى, روى مسلم في كتابه عن موسى بن طلحة عن أبيه قال «مررت مع رسول