وقد حفظ تاريخ الفكر الإسلامي، قديما وحديثا وقائع عملية لهذا الشك الحقيقي، الذي يتوقف فيه الإنسان عن قبول الحكم أو رفضه، في قضية ما، حتى وإن كانت من قضايا الإيمان، أو هي قضية الإيمان نفسه حفظ ذاك التاريخ حالة الشك التي عاش فيها. . . الإمام الغزالي؛ بحثا عن طريق الحق بعد أن شك في جميع طرقه المعروفة والموروثة، فلسفية وعقلية ودينية، وبعد أن ألف في كل هذه الطرق تأليف العالم المتخصص، والإمام المحقق، ثم لن قصور كل هذه الطرق، وهو على بصيرة بها.
ثم سجل حالة شكه، وطريق الخروج منها في كتابه اللطف:
(المنقذ من الضلال) وهو أروع ما كتب الغزالي، على كثرة ما كتب؛ إذ بلغت كتبه المطبوعة، والمخطوطة أربعة وخمسين كتابا، منها موسوعته المشهورة: إحياء علوم الدين.
والمفقود من كتبه مائة وأربعة وسبعون.
وضع الإمام الغزالي كتابه: "المنقذ من الضلال " بعد عزلة دامت عشر سنوات، عانى فيها آلاما نفسيه، وقلقا نبيلاً، للبحث عن (الطريق) شاهد الغزالي اختلاف المذاهب، وتباين الملل، فولّد ذلك في نفسه ضرورة الفحص عن عقائد الفرق.
وكان أول الشك عنده انحلال التقليد؛ لأنه لم يجد فيه علما يقينيا، ولا واسطة لتمييز الحق من الباطل.
وحقيقة العلم عنده هي التي ينكشف فيها المعلوم انكشافا
لا يبقى معه ريب، ولا يقارنها إمكان الغلط والوَهم.
يقول الدكتوران جميل صليبا وكامل عياد، في تقديمهما لكتاب (المنقذ من الضلال) : وكل من قرأ تأملات (ديكارت) ورسالته في الأصول أدرك أهمية معيار الغزالي للعلم، واشتراطه في اليقين، ووضوح الأفكار، وانكشافها للعقل انكشافا بدهيا".
هذا ما سجله التاريخ قديما، وأما في الحديث فقد عاش الفيلسوف والكاتب
الجزائري (مالك بن نبي) في هذه المحنة النفسية، التي تريد ممن ابتلي بها أن يصل إلى اليقين بنفسه من غير تقليد، حتى وصل إليها.
وعبر عن المحنة والخروج منها، بعيدا عن (الإيمان الموروث) المأخوذ بالتقليد، في كتابه: (الظاهرة القرآنية) .
وهي المحنة التي عاش فيها جيل من المسلمين في القرن العشرين، وعاش فيها