وسكون، وسار القطار على بركة الله متّجهاً إلى حلب وما اِنفكّ يواصل بنا السير والأرض على يميننا ويسارنا إلى مسافات واسعة كانت كلّها خصبة جيّدة مفروشة ببساط من المزارع الخضراء حيث كان الزمن ربيعاً، وكنت أعجب كثيراً بما أشاهده على تلك الزروع من ألوان الزهر المختلفة بين الحمراء والبيضاء والزرقاء الّتي تشبه مجموعتها البديعة باقة الزهور المرصّعة، وجلّ هذه المزارع النضرة والأعشاب الجميلة إنّما نبتت في تلك الأرض بواسطة الأمطار وعندئذ لم أستغرب ولم أندهش ممّا كنت سمعته من أن قبائل العرب والرعاة يقصدون إلى الجهات قبل فصل الصيف بخيلهم ومواشيهم لرعي تلك الحشائش، وما أحسنها من مرعي وأجملها من ربيع خصوصاً وأن المياه في تلك البقعة غاية في الكفاية والصفاء، حتّى بلغ إلى محطّة حماة وهي على مسافة 55 كيلومتراً من حمص وقد قطعها القطار في نحو ساعة و45 دقيقة.
حماة
هذه البلدة واقعة في حدود ولاية سورية وكانت أوّلاً تابعة لأيالة الشام، أمّا الآن فقد انفصلت عنها وجعلت متصرفيّة مستقلة وهي مدينة قديمة التاريخ، ويظنّ كثير من النّاس أنّ بانيها هو حمت بن كنعان. فإذا صحّ ذلك فيكون قد مضى عليها الآن أكثر من 4 آلاف سنة. ويقال إن حماة كانت في وقت خروج الإسرائيليين من مصر مملكة مستقلّة تتاخم أرض الميعاد الّتي اِحتلّها الإسرائيليون. وكانت المملكة التي تسمّى باسمها تمتدّ من منبع العاصي حتّى مصبّه مع كلّ السهل الشرقي منه، وكان يتاخمها من الجنوب مدينة دمشق ومن الغرب بلدا فينيقية وممّا
يدلّ على أن هذه البلدة قديمة جاهلية ما جاء في شعر اِمرئ القيس من بعض قصائده حيث
قال:
تقطّع أَسباب اللبانة وَالهوى ... عَشيّة رُحنا مِن حَماة وشيرزا
ثمّ إنّها أوسع من مدينة حمص مساحة وأكبر منها عمارة وسكانها يبلغون نحو