قرية الراس ضد البطريرك مكاريوس الدبّاس في سنة 1618. وممّا ثبت بشهادة البطريرك مكاريوس الحلبي أنّ المطران أبيفانيوس المذكور كان ذا أولاد، فمن سلالته آل مطران الّذين نحن بصددهم. ولهذه الأسرة الّتي مضى عليها نحو أربع مائة سنة، وهي في بعلبك تتناوب المجد وتتوارث الفضل والنبل إلى اليوم، تاريخ طويل رأينا أن نكتفي منه بالقدر الّذي ذكرناه ليعرف القرّاء من هم آل مطران الّذين دعونا، ونحن ذاهبون إليهم الآن إجابة لدعوتهم. ومذ وصلنا إلى بيتهم، رأيناه من أجمل البيوت، وكان فوق حسنه الذاتي وجماله الموضعي غاية في الزخرف والزينة، وفيه ثريّات كثيرة يكاد يبيضّ منها وجه الليل الحالك. وحين جلسنا في قاعة الاستقبال، جاء إلينا حضرة البك يعرفنا بقرينته المصونة
على حسب العادة، ثمّ دعينا على المائدة، وإذ ذاك أخذوا يشعلون السواريخ ذات الألوان البديعة الّتي كانت تمثل في صعودها وهبوطها جملة أشياء مختلفة رائعة حتى انتهينا من تناول الطعام الشهي وخرجنا إلى مجالسنا ريثما تعاطينا القهوة.
ثمّ اِنصرفنا مودّعين من تلك الأسرة الكريمة بمثل ما اِستقبلنا به حيث ذهبنا لا وجهة لنا إلا الفندق، ثمّ ما لبثنا هناك أن جاء إلينا جناب ميخائيل أفندي موسى ألوف البعلبكي، مدير مصلحة الآثار التاريخية في مدينة بعلبك فاستقبلناه وقد عرّفنا بنفسه ووظيفته فسررت من هذا التعريف، لأنّي كنت مصمّماً على زيارة الأثر الغريب في هذا البلد، وهو المسمّى بقلعة بعلبك أو المعبد القديم. أمّا هذا الزائر، فقد كان عالماً أثريّاً يكاد يتوقّد فطنة وذكاء، عرفت ذلك ممّا كان يدور بيني وبينه من الكلام الّذي كان يتناول بعض العموميات تارة وبعض الخصوصيات تارة أخرى. ثمّ إنّه خرج من عندنا على نية أن ينتظرنا عند الأثر ليرشدنا فيه إلى ما عساه يخفى علينا، وعلى ذلك انتهت رحلة اليوم الأول في تلك المدينة. ولمّا جاء صباح اليوم الثاني توجّهنا إلى زيارة القلعة، وكان في اِنتظارنا هناك مدير الآثار المذكور فأخذ يسرد لنا قصّتها وتاريخها من أوّل الأمر إلى آخره، ويشرح عجائبها وغرائبها شرحاً وافياً