بنا عدّة مرّات. كما أنّنا كتبنا كلّ ذلك مفصّلاً في رحلتنا هذه ليبقى معروفهم مسطّراً على صفحات الكتاب مثلما كان مطبوعاً من قبل في طويّات الألباب. وقد كان بودّي لو أنّه يسطّر بمداد من نور على صفحات خدود الحور. وإذا رأى القارئ في ما رأى أنّي لم أنس ذلك لأحدٍ منهم حتّى ولا لأصغر القوم سنّاً وأقلّهم شأناً واحتراماً، عرف من مبدئي في الأمور الإعلان بالصدق والصراحة في الحقّ كائناً ما كان وبالغاً ما بلغ.
عدنا إلى الفندق وبعد قليل من الزمن حضر إلينا صاحب الجريدة الّذي كان قابلنا في دار الولاية، وقد اِرتحت كثيراً لمجلس هذا الرجل الظريف لما سبق لي من مروءته ومعروفه على غير معرفة سابقة. وكان حديثنا معه قاصراً على وصف بلاد الشام وذكر مواهب الله فيها من خصوبة الأرض وجودة الهواء وعذوبة الماء وصفاء الجوّ إلى غير ذلك، وما كدنا نتمّم حديثنا معه في ما كان يقتضي سرورنا من مناظر تلك البلاد وأشكالها الطبيعية الساحرة حتّى جاءنا عدّة رجال من أعيان المدينة مظهرين لنا شدّة استيائهم من أنّنا لم نخبرهم بوقت حضورنا إلى دمشق، إذ كان ذلك سبباً في فوات أكبر فرصة كانوا ينتهزونها لتأدية الواجب نحونا من الاحتفاء بنا والاِحتفال باِستقبالنا لدى المحطّة، فشكرنا لهم جميعاً هذا الشعور العالي والإحساس الجميل. ثمّ جاء بعدئذ الأمير علي بن الأمير عبد القادر الجزائري، فقابلناه بما يليق بمقامه الكريم من الحفاوة والتعظيم. أمّا حضرته فكان وقوراً بشوشاً سمح الوجه ظريف المحادثة، لا يشكّ من يراه أنّه من بيروت المجد والإمارة. وقد أظهر لنا في فاتحة حديثه ما اِنطوت عليه نفسه الطاهرة من الميل والإخلاص للأسرة العلويّة. ثمّ أخذنا نتبادل أطراف الحديث، وكان أكثر ما يدور عليه كلامه هو اِمتداح المغفور له جدّنا الأكبر محمّد علي باشا وبيان مآثره النافعة
في بلاد الشرق. وكان يسرّني ما كنت أسمعه من ذلك الحديث الحسن الصحيح سروراً جمّاً، ليس ذلك لأن الأمير كان يطري جدّنا ويذكر من أعماله وآثاره ما كان يذكر، فإن الآثار والأعمال نفسها تعرب عن