وأجملها كلّها خان الصاغة. وأحسن موضع يرى منه الناظر جمال طرابلس في مجموعه هو القصر الحصين المبني على الجبل المقابل لها. ويقال إنّ الّذي شيّد هذا القصر هو الكنت ريموند ديسانجيل، ويسمّى عند المسلمين إلى الآن ساندجيل. ويوجد خارج المدينة غابة من أشجار الفاكهة، عظيمة المساحة جميلة المنظر. أمّا المدينة البحرية، فإنّها قائمة على لسان داخل في البحر، تحيط بها عدّة أبراج قديمة. وعدد سكّانها يبلغ خمسة آلاف نفس تقريباً، وهذا العدد محسوب من جملة العدد المتقدم.
هذا، وقد قدّرنا المسافة من طرابلس إلى ميناء بيروت بنحو أربع ساعات، قضيناها كلّها والحمد لله في راحة تامّة وسرور عظيم، لأنّ سير السفينة في طول هذا السفر كان قريباً من الشاطئ. وناهيك بمنظر الطبيعة البديع الّذي كنّا نشاهده على الساحل من شاطئ البحر إلى جبال لبنان، فقد كان من أحسن ما اتّفق أن يراه الإنسان في بلاد الجمال.
وصلنا إلى بيروت حيث كانت الساعة ستّاً ونصف بعد الظهر تقريباً، فوجدنا في اِستقبالنا على المرفأ حضرات أصحاب السعادة والفضيلة رجال الحكومة، يتقدّمهم دولة الوالي ثمّ العلماء والرؤساء الروحيّون فالأعيان والوجهاء. وبالجملة، فإنّ الاحتفال كان بالغاً حدّ الأبّهة والوقار، لا ينقص عمّا في المرّة الأولى، إن لم يكن قد زاد أمراً معنوياً، هو ما كان يدور بين القلوب من المحبّة والإخلاص. وبعد أن تبادلنا السلام والتحيّة، ركبنا قاصدين إلى الفندق الّذي كنّا نزلنا فيه أوّل مرّة. ولم يمض علينا إلا قليل من الزمن حتّى توافد إلينا جميع الّذين كانوا ينتظروننا على مرسى السفينة، فاستقبلناهم شاكرين لهم ما أبدوه نحونا من العناية واللطف. وكان من ضمنهم وفد من التلاميذ المصريين في كليّة الأمريكان، جاؤوا ليتعرّفوا منّا الوقت الّذي نحدّده لزيارة مدرستهم، وقد وعدتهم بذلك في صباح اليوم الثاني، إن شاء الله.