قال أبو جعفر:
وأولى الأقوال فى تأويل ذلك بالصواب: أن يقال: تأويله: وما كان المؤمنون لينفروا جميعًا ويتركوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وحده، وإن اللَّه نهى بهذه الآية المؤمنين به أن يخرجوا فى غزو وجهاد وغير ذلك من أمورهم، ويدعوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وحيدا، ولكن عليهم إذا سرّى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، سرية أن ينفر معها من كل قبيلة من قبائل العرب، وهى الفرقة، طائفة وذلك من الواحد الى ما بلغ من العدد، كما قال اللَّه جل ثناؤه {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} يقول: فهلا نفر من كل فرقة منهم طائفة، وهذا الى هاهنا على أحد الأقوال التى رويت عن ابن عباس، وهو قول الضحاك، وقتادة، وإنما قلنا: هذا القول أولى الأقوال فى ذلك بالصواب لأن اللَّه تعالى ذكر حظر التخلف خلاف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على المؤمنين به من أهل المدينة، مدينة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ومن حولها من الأعراب لغير عذر يعذرون به إذا خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لغزو وجهاد عدو، قبل هذه الآية بقوله: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} فكان معلوما ذلك، إذ كان قد عرفهم فى الآية التى قبلها اللازم لهم من فرض النفر، والمباح لهم من تركه، فى حال غزو رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وشخوصه عن مدينته لجهاد عدو، وأعلمهم أنه لا يسعهم التخلف خلافه إلا لعذر، بعد استنهاضه بعضهم وتخليفه بعضهم أن يكون عقب تعريفهم ذلك، تعريفهم الواجب عليهم عند مقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمدينته، وأشخاص غيره عنها،