أزف خروج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أكثروا الاستئذان، وشكوا شدة الحر، وخافوا، وزعموا الفتنة، إن غزوا، ويحلفون باللَّه على الكذب، فجعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يأذن لهم. لا يدرى ما فى أنفسهم. وبنى طائفة منهم مسجد النفاق، يرصدون به الفاسق أبا عامر، وهو عند هرقل وقد لحق به كنانة بن عبد ياليل، وعلقمة بن علاثة العامرى، وسورة براءة تنزل فى ذلك ارسالا. ونزلت فيها آية ليست فيها رخصة لقاعد، فلما أنزل اللَّه عز وجل: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} اشتكى الضعيف الناصح للَّه ورسوله، والمريض، والفقير الى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقالوا: هذا أمر لا رخصة فيه. وفى المنافقين ذنوب مستورة لم تظهر، حتى كان بعد ذلك، وتخلف رجال غير مستيقنين، ولا ذوى علة، ونزلت هذه السورة بالتبيان والتفصيل فى شأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسار بمن اتبعه، حتى بلغ تبوك. فبعث منها علقمة بن مجزز المدلجي الى فلسطين، وبعث خالد بن الوليد الى دومة الجندل، فقال إسرع لعلك أن تجده خارجا يتقنص، فتأخذه، فوجده فأخذه وارجف المنافقون فى المدينة، بكل خبر سوء فإذا بلغهم، أن المسلمين أصابهم جهد، وبلاء تباشروا به وفرحوا، وقالوا: قد كنا نعلم ذلك، ونحذر منه، فإذا اخبروا بسلامتهم وخير اصابوه حزنوا، وعرف ذلك منهم كل عدو لهم بالمدينة، فلم يبق أحد من المنافقين اعرابي ولا غيره الا استخفى بعمل خبيث، ومنزلة خبيثة، واستعلن. ولم يبق ذوعلة إلا وهو ينتظر الفرج فيما ينزل اللَّه فى كتابه. ولم تزل سورة براءة تنزل حتى ظن المؤمنون الظنون، وأشفقوا أن لا ينفلت منهم كبير أحد