ذكر في القلب، بل لا يكون ذلك ذكرًا.

والذكر بالقلب ضربان:

أحدهما: استعادة ما قد استثبته القلب فانمحى عنه بنسيان أو غفلة، وهذا هو في الحقيقة التذكر.

والثاني: ثبات وجود الشيء في القلب من غير نسيان أو غفلة، وذكر اللَّه تعالى على نحو الأول غير مرتضى عند الأولياء وإنما يحمد إذا كان على النحو الثاني.

واعلم أن ذكر اللَّه تعالى تارةً يكون بعظمته فيتولد منه الإجلال والهيبة، وتارةً يكون لقدرته فيتولد منه الخوف والحزن.

وتارةً بفضله ورحمته فيتولد منه الرجاء، وتارةً بنعمته فيتولد منه الشكر؛

ولذلك قيل: ذكر النعمة شكرها، وتارةً بأفعاله الباهرة فيتولد منه العبرة.

فحق المؤمن ألا ينفك أبدًا من ذكره على أحد هذه الوجوه، وعليها دلَّ قول اللَّه تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)

أي: يذكرونه في كل حالٍ؛ لأن الإنسان لا ينفك من هذه الأوجه الثلاثة، فإن قيل: ما حقيقة ذكر اللَّه تعالى عند ابتداء الأعمال حتى قال - صلى الله عليه وسلم -: " كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بذكراللَّه تعالى فهو أبتر "، قيل: نبه بذلك أن الأمور كلها يجب أن يقصد بها وجه الله تعالى، وأن كل أمر لا يقصد به ذلك فهو ناقص، وشرع ذكره باللسان؛ ليكون سببًا لذكره بالقلب، فيتحرى بفعله وجه اللَّه، ولا يعمل ما ينافي رضاه. وعلى

ذلك قوله تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ)

أي: إذا عرض لك نسيان لا يلزمك فتذكر أنه مطلع عليك؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: " اعبد اللَّه كأنك تراه فإن لم تكن

تراه فإنه يراك ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015