بمعارف طريق الآخرة، وقد نبَّه اللَّه تعالى على ذلك بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7)
وبقوله: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) .
ولا يكاد يجمع ين طريق معرفة الدنيا والآخرة معًا على التحقيق والتصديق إلا من رشحهم الله تعالى لتهذيب الناس في أمر معاشهم ومعادهم جميعًا، كالأنبياء وبعض الحكماء.
ولما كان العقل هو الذي يردع الإنسان عن الذنب، واكتسابه على التمام والكمال في الورى عسير، لم ينفك أحد من ذنب يرتكبه، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ما منَّا نبي إلا أذنب أو هم " (?) .
العقل: اسم عام لا يكون بالقوة وبالفعل، ولا يكون غريزيا ومكتسبًا، وهو في اللغة عبارة عن قيد البعير لئلا يند، وسمي هذا الجوهر به تشبيهًا على عادتهم في استعارة أسماء المحسوسات للمعقولات، وخص بناء المصدر به لما كان يستعمل مرة للحدث، ومرة للفاعل، نحو عدل، وصوم، وزور، ومرة للمفعول نحو خلق وأمر. لكن يتصور
منه كونه سببًا لتقيد الإنسان به، وكونه مقيدًا له عن تعاطي ما لا يجمل، وكونه مقيدا به من بين الحيوان.
والنُّهى: في الأصل جمع نُهْيَة أو اسم مفرد نحو جُعَل ومُرد، أو وصف نحو دليل خضع وسائق حُطَم وجعل اسمًا للعقل الذي انتهى من المحسوسات إلى معرفة ما فيه من المعقولات، ولهذا أجبل أربابه على تدبر معاني المحسوسات في نحو قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26)
وقال: (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54) .
والحجر: أصله من الحجر، أي: المنع وهو اسم لا يلزمه الإنسان من حظر الشرع