العقل أول جوهر أوجده اللَّه تعالى، وأشرفه، بدلالة ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: " أول ما خلق الله تعالى العقل، فقال له: أقبل، فأقبل، ثم قال له أدبر فأدبر، ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت اكرم علي منك، بك آخذ، وبك أعطي، وبك أثيب، وبك أعاقب ".
ولو كان على ما توهمه قوم أنه عرض لما صح أن يكون أول مخلوق، لأنه محال وجود شيء من الأعراض قبل وجود جوهر يحمله، وقال عليه الصلاة والسلام: " لا دين لمن لا عقل له، لا يعجبنكم إسلام امرئ حتى تعرفوا عقدة عقله ".
ومن هذا الوجه الذي أشار إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت الحكماء: من لم يكن عقله أغلب خصال الخير عليه كان حتفه في أغلب خصال الشر عليه.
وبالعقل صار الإنسان خليفة اللَّه، ولو توهم مرتفعًا لارتفعت الفضائل عن العالم فضلا عن الإنسان. وبما غرسه اللَّه تعالى منه في الإنسان اهتدى من وفقه اللَّه تعالى
إلى تزكية نفسه المذكورة في قوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)
وحصل به حرث الآخرة المذكورة في قوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ)
وثمرة حرث الآخرة على التفصيل سبعة أشياء: