والاتفاق: مطاوعة التوفيق، لكن قد يستعمل في السعادة والشقاوة جميعا، فيقال: اتفاق جيد، واتفاق رديء.
والتوفيق: مما لا يستغني الإنسان عنه في كل حال، كما قيل لحكيم: ما الذي لا يستغني عنه أحد في كل حال، فقال: التوفيق، وأنشد:
إذا لم يكن عون من اللَّه للفتى ... فأكثر ما يجني عليه اجتهاده
فالسعادة التوفيقية هي الهداية، والرشد، والتسديد، والتأييد.
فيجب أن يعلم أن لا سبيل لأحد إلى شيء من الفضائل إلا بهداية اللَّه تعالى ورحمته، فهو مبدأ الخيرات ومنتهاها، كما قال تعالى: (أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)
وخاطب الناس فقال: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) .
وقال - صلى الله عليه وسلم -: " ما أحد يدخل الجنة إلا برحمة الله "، أي: بهدايته.
قيل: ولا أنت يا رسول اللَّه، فقال: " ولا أنا إلا أن يتغمدني اللَّه برحمته وهدايته "، تنبيهًا أنه لو توهمت رحمته مرتفعة ابتداءً وانتهاءً ما كان لنا سبيل إلى ذلك.
وللهداية ثلاث منازل في الدنيا:
الأول: تعريف طريق الخير والشر المشار إليهما بقوله تعالى: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)
وقد خوَّل اللَّه تعالى الهدى كل مكلف، بعضه بالعقل، وبعضه بألسنة
الرسل، وإياه عني بقوله تعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى) .
والثاني: ما يمد به العبد حالا فحالًا بحسب استزادته من العلم والعمل
الصالح، وإياه عني بقوله: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17) .
والثالث: نور الولاية التي هي في أفق نور النبوة، وإياه عني بقوله تعالى: (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)
فأضاف ذلك إلى لفظ اللَّه تعظيما له،. ثم قال:
(هُوَ الْهُدَى) فجعله الهدى المطلق (وعناه) بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا)
أي نورًا تفرقون به بين الحق والباطل، وكل ذلك يسمى النور والحياة نحو: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا) .
وقال: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) .