فبزق في وجهه، فقال له: ما هذا السفه أيها الحكيم، فقال: بل هذه حكمة، إن البزاق ليرمي إلى أخس مكان في الدار، ولم أر في دارك أخس منك، فنبه بذلك على دناءة الجهل، وأن قبحه لا يزول بادخار القَنيَّات.
فكن أيها الأخ عالمًا، وبعلمك عاملًا، تكن من أولياء اللَّه الذين (لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) ، واحذر الشيطان أن يسبيك، ويغريك بأعراض
الدنيا وزخارفها، فيجعلك من أوليائه ويخوفك بوساوسه، كما قال تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ) .
واعلم أنه قبيح بذي العقل أن يكون بهيمة وقد أمكنه أن يكون إنسانًا، أو إنسانًا وقد أمكنه أن يكون ملكًا، وأن يرضى بقنية معارة، وحياة مستردة، وله أن يتخذ قنية مخلدة، وحياةً مؤبدة:
فلم ير في عيوب الناس شيء كنقص القادرين على التمام
وإن أردت أن تعرف بقاء العلماء الأتقياء فاعتبر ما قال أمير المؤمنين - رضي الله عنه -: " مات خزَّان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وآثارهم في القلوب موجودة ".