فقالوا: العفة والحرفة.

ومن الدلالة على قبح فعل من هذا صنيعة أن اللَّه تعالى ذم من يأكل مال نفسه إسرافًا وبدارًا، فما حال من يأكل مال غيره على ذلك ولا ينيلهم عوضًا، ولا يرد عليهم بدلًا.

فمن كان مضطرًّا إلى كسب فحقه أن يقتصر على ما يسد به فقر وقته، ولا يحمل هم غده على يومه.

فمن ينفق الساعات في جمع ماله ... مخافة فقر فالذي فعل الفقر

ومن اقتصر على قدر ذلك فقد صار من المتوكلين الذين عناهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: " لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا ".

مدح السعي وذم الكسل

من تعطل وتبطل انسلخ من الإنسانية، بل من الحيوانية، وصار من جنس الموتى، وذلك أنه إنما خص الإنسان بالقوى الثلاث ليسعى في فضيلتها، فإن فضيلة القوة الشهوية تطالبه بالمكاسب التي تنميه، وفضيلة القوة الغضبية تطالبه بالمجاهدات التي تحميه، وفضيلة القوة الفكرية تطالبه بالعلوم التي تهديه، فحقه أن يتأمل قوته، ويسبر قدر ما يطيقه، فيسعى بحسبه لما يفيده السعادة ويتحقق أن اضطرابه سبب وصوله من الذل إلى العز، ومن الفقر إلى الغنى، ومن الضعة إلى الرفعة، ومن الخمول إلى النباهة.

وأن من تعود الكسل ومال إلى الراحة فقد الراحة فحب الهوينا يكسب النصب، وقد قيل: إن أردت ألا تتعب فاتعب لئلَّا تتعب، وقيل: إياك والكسل والضجر فإنك إن كسلت لم تؤد حقًّا، وإن ضجرت لم تصبر على الحق. قال الشاعر:

إن التواني أنكح العجز بنته ... وساق إليها حين أنكحها مهرا

فراشًا وطيئًا ثم قال لها اتكي ... فقصرا كما لاشك أن تلدا الفقرا

وقال يزيد بن المهلب: ما يسرني أن كفيت أمر الدنيا كله لئلا أتعود العجز، ولأن الفراغ يبطل الهيئات الإنسانية، فكل هيئة بل كل عضو ترك استعماله يبطل، كالعين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015