ترك العدل إلى الظلم عمدًا في جميع الأحوال مذموم، والخارج عنه إلى الظلم
مستوجب بقدر خروجه عنه سخطًا من اللَّه - عز وجل -، إلَّا أن يتغمده اللَّه تعالى بعفوه، وأما الخارج عنه إلى الانظلام، أي: التزام الظلم فقد يحمد.
والانظلام من حيث الكمية ثلاثة أضرب:
انظلام في المال: وهو الاستخذاء للظالم في أخذ ماله.
وانظلام في الكرامة: وهو الاستخذاء في بخس منزلته من التعظيم.
وانظلام في النفس: وهو استخذاء لمن يؤله.
وكل واحد يكون محمودًا ومذمومًا،
ومن حيث الكيفية ضربان: محمود، ومذموم.
فالمحمود: التغاضي عن حق له في المال أو فى الكرامة أو في النفس بقدر ما يحسن وفي وقت ما يحسن، وهو المعبر عنه بالانخداع والتغافل الذي قيل فيه: العقل مكيال ثلثه فطنة وثلثاه تغافل، وإيَّاه قصد معاوية - رحمه الله - بقوله: " من خدعك فانخدعت، فقد خدعته "،
وقال الشاعر:
ممن يعز على الثناء فيخدع
وذلك إذا كان في مال فمسامحة، وإذا كان في النفس فعفو، وإذا كان في الكرامة فتواضع.
وأما على الوجه المذموم: ففي المال غبن، وفي الرأي غبن، وفي النفس والكرامة هوان ومذلة.
وقد تقدم أن الإفضال والإحسان أشرف من العدل إذا كان الحكم بينك وبين
غيرك، فأما إذا حكمت بين اثنين فليس إلَّا العدل، وإنما الإحسان إلى المتحاكمين "
ولهذا قال تعالى: (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ)
وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)
وقال لمن له الحق: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)
وقال يحى بن معاذ: اصحبوا الناس بالفضل لا بالعدل فمع العدل،