الغضب في الإنسان بمنزلة نار تشتعل والناس يختلفون فيه، فبعضهم: كالحلفاء سريع الوقود وسريع الخمود، وبعضهم: كالغضى بطيء الوقود بطيء الخمود، وبعضهم: سريع الوقود بطيء الخمود، وبعضهم: على عكس ذلك وهو أحمدهم ما لم يكن مفضيًا به إلى زوال حميته وفقدان غيرته، واختلافهم تارة يكون بحسب الأمزجة فمن كان طبعه حارًّا يابسًا يكثر غضبه، ومن كان بخلافه يقل، وتارة يكون بحسب اختلاف العادة فمن الناس من تعود السكون والهدوء وهو المعبر عنه بالذلول والهين واللين، ومنهم من تعود الطيش والانزعاج فيحتد بأدنى ما يطرقه ككلب يسمع صوتًا فينبح قبل أن يعرف ما هو، وأسرع الناس غضبًا الصبيان والنساء، وأكثرهم
ضجرًا الشيوخ، وأجل الناس شجاعة، وأفضلهم مجاهدة، وأعظمهم قوة من يكظم الغيظ، وعلى ذلك دلَّ قوله تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)
فجعلهم من المحسنين. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد مرَّ بقوم يرفعون حجرًا فقال: " ألا أخبركم بأشدكم؟ ، من ملك نفسه عند الغضب ".
واعلم أن نار الغضب متى كانت عنيفة تأججت واضطرمت واحتد منه غليان الدم في القلب وملأت الشرايين والدماغ دخانًا مظلمًا مضطرمًا يسودُ منه مجال العقل ويضعف به فعله، فكما أن الكهف الضيق إذا مُلِىءَ حريقًا اختنق فيه الدخان واللهب، وعلا منه الأجيج، فيصعب علاجه وإطفاؤه ويصير كل ما يدنو منه مادة تقويه.
فكذلك النفس إذا اشتعلت غضبًا عميت عن الرشد، وصمت عن الموعظة، فتصير مواعظه مادة لغضبه، ولهذا حكي عن إبليس لعنه اللَّه أنه يقول: متى أعجزني ابن آدم فلن يعجزني إذا غضب، لأنه ينقاد لي فيما أبتغيه منه، ويعمل بما أريده وأرتضيه.
وقد قيل: الغضب جنون ساعة، وربما أفضى إلى تلف باختناق حرارة القلب فيه، وربما كان سببًا لأمراض صعبة مؤدية إلى التلف.