ملكا وخرج عليه خارجيًّا، ثم عاد إليه وجلًا خائفًا فعفى عنه كخدمة من يذل بطاعته وعدم مخالفته.
والثالث: أن التائب قد حلب الدهر الشطرين خيره وشره حلوه ومره، فهو أرفق بالمذنبين وأوفق لهما وأصلح للرياسة ممن يظن أن الذنب خارج عن طبيعة الإنسانية فيعجب بنفسه ويزري بغيره.
الحلم: إمساك النفس عن هيجان الغضب، والتحلم: إمساكها عن قضاء الوطر منه إذا هاج، ولما كان الحلم من تأثير العقل وغير منفك عنه صار يعبر به عن كل عقل ظهر فعلًا كقوله - عز وجل - في ذم الكفار على سبيل التعجب منهم: (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32)
ومتى أطلق الحلم في حق الباري تعالى فإنه يراد به العمل
بمقتضاه وهو العفو دون انفعال بعرض له، ولن يتم حلم الإنسان إلَا بإمساك الجوارح كلها، اليد عن البطش، واللسان عن الفحش، والسمع عن استماعه، والعين عن فضول النظر، وأقرب لفظ يستعمل في ضد الحلم: التذمر.
وأما العفو والصفح: فهما صورتا الحلم ومخرجاه إلى الوجود، والعفو هو ترك المؤاخذة بالذنب، والصفح: ترك التثريب، واشتقاقه من تجاوز الصفحة التي أثبت فيها ذنوبه، أو اللإعراض بصفحة الوجه عن التلف إلى ما كان منه، وهو محمود إذا كان على الوجه الذي يجب.
ولهذا قال تعالى: (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)
فخصَّ تنبيهًا على ما يحمل منه وقد ندب اللَّه تعالى إلى ذلك بقوله: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ)
فأمر بالحلم والعفو وقال: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا)
وقال: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)
وقال: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ.
والعفو إنما يستحب فيما إذا كانت الإساءة مخصوصة بالعافي كمن أخذ ماله،
أو شتم عرضه، فأما إذا كانت الإساءة عائدة بالضرر على الشرع أو على جماعة الناس