الفزع والجزع أخوان لكن الفزع ما يعتري الإنسان من الشيء المخيف، والجزع مما يعتري من الشيء المؤلم، والفزع لفظ عام سواء كان عارضًا عن أمارة ودلالة أو حاصلًا لا عن ذلك.
ومتى كان ذلك من عار فهو الحياء والخجل، ومتى كان عن شيء يضر فهو الفرق والذعر، ومتى كان لفوت محبوب فهو الإشفاق، ولهذا قال
تعالى حكاية عن أهل الجنة: (قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) .
والحؤف: هو توقع مكروه عن أمارة، والخشية: خوف يشوبه تعظيم المخشي منه مع المعرفة به، ولذلك قال تعالى: (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ)
وقال: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)
والوجل: استشعار عن خاطر غير ظاهر
وليس له أمارة، قال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)
والرهبة: خوف مع تحرز واضطراب، ولتضمن الاحتراز قال تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)
والهيبة: رهبة جالبة للخضوع عن استشعار تعظيم، ولذلك يستعمل في كل محتشم. قال الشاعر:
أهابك إجلالًا وما بك قدرة ... علي ولكن ملء عين حبيبها
وهذه الأشياء قد تذم باعتبار الأمور الدنيوية وتحمد باعتبار الأمور الأخروية، قال اللَّه تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ)
وقال: (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)
وقال: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)
والخوف من اللَّه تعالى ليس يشار به إلى ما يخطر في البال من الرعب كاستشعار الإنسان الرعب من الأسد، وإنما يشار به إلى ما يقتضيه الخوف وهو الكف عن المعاصي، ولذلك قيل:
لا يعد خائفا من لم يترك الذنوب، وقال تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ)
أي: لا تفعلوا ما يقتضيه الخوف منه وافعلوا ما يقتضيه خوفي،
فإن قيل: كيف يمدح المؤمن بالحزن والخوف مع قوله تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)
قيل: أما الممدوح به فمقتضاهما وذلك إقامة العبادات، وأما المنفيان عنهم فهما اللذان يكونان من الأشرار.