ولأن الزاهد في الدنيا راغب في الآخرة، وهو يبيعها بها كما قال تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ)
ومحال أن يبيع كيِّسٌ عينًا بأثر إلا إذا عرفها وعرف فضل المبتاع على المبيع،
وقد قيل لبعض الزهاد: ما أزهدك وأصبرك، فقال: أما زهدي فرغبة فيما عند اللَّه، وهو أعظم مما أنت فيه، وأما صبري فلجزعي من النار.
الورع أصله جبن وضعف، وقد يستعمل في كل واحد منهما لكنه جعل في عرف الشرع عبارة عن ترك التسرع إلى تناول أعراض الدنيا، وذلك على ثلاثة أضرب:
واجب: وهو الإحجام عن المحارم وذلك للناس كافة، وندب: وهو الوقوف عن الشبهات وذلك للأوساط، وفضيلة: وهو الكف عن كثير من المباحات والاقتصار على أقل الضرورات، وذلك للمتقين من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين،
وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " لا يكون العبد من المتقين حتى يدع ما لا بأس به مخافة ما به بأس ".
وقال باعتبار المنزل الثاني: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك "، وقال له قائل: ما أشد الورع؟ ، فقال: " ما أيسر الورع إذا شككت في شيء فاتركه ".