فيقلقني ما أقلقك، ويؤرقني ما أرقك، فتبيت بإفشائه مستريحًا، ويبيت قلبي بحره جريحًا.
وقد قيل: أكثر ما يستنزل الإنسان عن سره في ثلاثة مواضع: عند الاضطجاع على فراشه، وعند خلوه بعِرْسه، وفي حال سكره.
ومن حق من يسارر غيره أن يجتنب المحافل لأمرين:
أحدهما: حذرًا من أن يساء به الظن فهذا يقول: قد اغتابني، وذا يستريب، وذا يتهم.
والثاني: أنه ربما يتتبع بالفحص فيطلع على مراده، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث، فإن ذلك يحزنه ".
التواضع: اشتقاقه من الضعة وهو رضا الإنسان بمنزلة دون ما يستحقه فضله ومنزلته.
وفضيلته لا تكاد تظهر في أفناء الناس لانحطاط درجتهم، وإنما ذلك يتبين في الملوك وأجلَّاء الناس وعلمائهم وهو من باب التفضل، لأنه ترك بعض حقه. وهو من التوسط بين الكبر والضعة.
والضعة: وضع الإنسان نفسه مكانًا يزرى به بتضييع حقه.
والكبر: رفع نفسه فوق قدره.
والفرق بين التواضع والخشوع: أن التواضع يقال فيما بين رفيع ووضيع، وأيضا فالتواضع يعتبر بالأخلاق والأفعال الظاهرة والباطنة. والخشوع يقال باعتبار أفعال الجوارح، ولذلك قيل: إذا تواضع القلب خشعت الجوارح، وقال تعالى: (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ)
وقال: (وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ)
وقد عظم النبي - صلى الله عليه وسلم - التواضع ومدحه فقال: " طوبى
لمن تواضع في غير منقصة، وذل في نفسه من غير مسكنة "،
وقد قيل لـ بزرجمهر:
هل تعرف نعمة لا يُحسد صاحبها عليها، وبلاء لا يرحم صاحبه عليه، فقال: نعم أما النعمة