ولباسه التقوى وزينته الحياء "

كبر الهمة

وأما كبر الهمة: فمختص بالإنسان، فأما الحيوانات فكل جنس يتحرى الفعل بقدر ما في طبعه، وهو خال بين التفنج وصغر الهمة، فالتفنج تأهل الإنسان لما لا يستحقه وهو البذخ، وصغر الهمة تركه لما يستحقه وهو الدناءة، وكلاهما مذمومان؛ لكن المتفنج جاهل أحمق، والصغير الهمة جاهل غير أحمق، وليس لكبر الهمة إفراط مذموم في الحقيقة، وإنما الإفراط يدخل في كل فعل يتصوره بعض الناس بصورة علو الهمة له وليس كذلك، واعلم أنه قد يقال: فلان كبير الهمة وفلان صغير الهمة؛ إذا كان أحدهما يطلب مقتنى أكثر أو أشرف مما يطلبه الآخر، والكبير الهمة على الإطلاق هو من

لا يرضى بالهمم الحيوانية قدر وسعه فلا يصير عبد عارية بطنه وفرجه، بل يجتهد أن يتخصص بمكارم الشريعة فيصير من خلفاء اللَّه وأوليائه في الدنيا ومن مجاوريه في الآخرة.

والصغير الهمة من كان على الضد من ذلك، وقال أعرابي: فلان عظمه صغر

الدنيا في عينيه، فكان خارجًا من سلطان بطنه، فلا يشتهي ما لا يجد ولا يكثر إذا وجد، وخارجًا من سلطان فرجه فلا يستخف له رأيًا ولا بدنًا، وحق الإنسان أن يتلطف عن ذلك فإنه وإنا كان بعنصره حيوانًا فهو بعقله وفكره مَلَك، وإذا ضيع نفسه صار شرًّا من البهيمة، وذلك هو الخسران المبين، وقد قيل: من عظمت همته لم يرضَ بقنية مستردة وحياة مستعارة. فإن أمكنك أن تقتني قنية مؤبدة وحياة مخلدة فافعل، فلا اعتداد بما له فناء.

والكبير الهمة على الإطلاق من يتحرى الفضائل لا لجاه ولا لثروة ولا للذة ولا لاستشعار نخوة واستعلاء على البرية، بل يتحرى مصالح العباد شاكرًا بذلك نعمة اللَّه، ومتوخيًا به مرضاته غير مكترث بقلة مصاحبيه، فإنه إذا عظم المطلوب قل المساعد، وطريق العلاء قليلة الأناس.

الوفاء والغدر

الوفاء: أخو الصدق والعدل، والغدر: أخو الكذب والجور، وذلك أن الوفاء صدق اللسان والفعل معًا، والغدر كذب بهما، لأن فيه مع الكذب نقض العهد.

والوفاء يختص بالإنسان فمن فقد فيه فقد انسلخ من الإنسانية كالصدق، وقد جعل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015