يمينًا من يمين. وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من لم يحلف على ماله فلا مال له " فإنه وإن كان بنظر الفقهاء يتصور أنه مفسحة في الحلف صادقًا، فإنه بنظر الحكماء يحث على إيثار التعظيم للَّه - عز وجل - وتقديمه على إيثار المال وتعريض بأن الذي فاته هو عرض حاضر
لا الدين والمروءة.
وحق العاقل إذا اضطر إليه أن يسلك سبيل التعريض فيه دون التصريح وما لا يضطر إليه تركه تعريضًا وتصريحًا، وإن بدر منه سهوًا حلف شفعه بالاستثناء، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: " من كان حالفًا فليقل: إن شاء اللَّه، فإنه يدفع الحنث، ويذهب الخبث، وينجز الحاجة،
ويدفع اللجاجة ": وقيل: العاقل إذا تكلم أتبع كلامه مثلًا، والأحمق إذا تكلم أتبع كلامه حلفًا، وعلامة الكاذب جوده بيمينه على غير مستحلف، قال الشاعر المتنبي:
وفي اليمين على ما أنت واعده ... ما دل أنك في الميعاد متهم
وقال بعض الحكماء: اللغو في الحلافة يدل على كذب أربابها، فإن ذلك لقلة
الركون إلى قولهم، وكما جوز - عليه الصلاة والسلام - الكذب حيث يضطر إليه جوز الحنث في اليمين، فقال: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها، فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه ".